مصارف منطقة اليورو: مخاطر السندات السيادية تهدد مستقبلها رغم «اختبار التحمل»

TT

تحتاج ربع المصارف الأوروبية إلى زيادة رأسمالها، ومن المتوقع أن تواجه خطرا في حالة حدوث تراجع اقتصادي آخر، بحسب تصريح الهيئة المصرفية الأوروبية يوم الجمعة الماضي في دراسة تسلط الضوء على ضعف مستمر في النظام المالي الأوروبي. ويمكن أن تكون النتائج أسوأ؛ حيث صرحت الهيئة بأن المصارف تصارع، منذ بداية العام الحالي، من أجل زيادة رأس المال بمقدار 70 مليار دولار وأنها تعرضت لـ«اختبارات مقاومة» خلال الأسابيع الماضية. أدى ذلك إلى دعوة الهيئة المصرفية الأوروبية السلطات في الدول الأوروبية كلها إلى ضمان دعم المصارف لموازناتها العامة. واختبرت الهيئة 8 مصارف من بين 91، وأخفقت في الاختبار وصرحت الهيئة بأن عليهم «علاج» الوضع من خلال خفض الأرباح على الأسهم أو السعي نحو جذب مستثمرين أو اتخاذ خطوات أخرى من أجل زيادة رأس المال. وكانت النتيجة أفضل من المتوقع، ومقدار رأس المال الإضافي الذي تحتاجه تلك المصارف صغير نسبيا؛ حيث يبلغ نحو 4 مليارات دولار. لكن على الرغم من وصول 16 مصرفا إضافيا إلى الحد الأدنى من رأس المال المحدد في الاختبار، صرحت الهيئة أيضا بأن تلك المصارف تحتاج إلى تحسين وضعها المالي. وتزيد نتائج الاختبار من تعقيد الوضع الاقتصادي الأوروبي؛ حيث يحدد المستثمرون والمنظمون المصارف الأكثر ضعفا وما الذي يتم من أجل دعم موقفها.

وأجرت الهيئة، التي تأسست العام الحالي، في محاولة لدعم مراقبة القطاع المالي، اختبارات لـ91 مصرفا أوروبيا لمعرفة ما إذا كانوا يستطيعون تجاوز فترة تراجع اقتصادي جديدة وتراجع في أسواق الأوراق المالية والانهيار في قيمة سندات الحكومات الأوروبية بسلام. كان لمثل هذا التمرين أهمية في استعادة قدر من الثقة في النظام المصرفي الأميركي خلال ذروة الأزمة المالية الأميركية. ويأمل الأوروبيون في تحقيق قدر مماثل من تعزيز الثقة. بالتأكيد سوف تثير تلك النتائج جدلا كبيرا حول اقتصاد دول منطقة اليورو؛ حيث يناقش المسؤولون كيفية العمل على استقرار اقتصاد اليونان وآيرلندا والبرتغال، بحيث يحققون نموا أسرع ويتمكنون من اقتراض الأموال بأسعار فائدة معقولة خلال السنوات المقبلة. وتقع دول أخرى، مثل إسبانيا وإيطاليا، تحت بؤرة الضوء؛ حيث يخيم مستوى الدين العام المرتفع ومستوى النمو المنخفض على مستقبلها الاقتصادي. كان البرلمان الإيطالي قد أقر آخر جزء من خفض الموازنة يوم الجمعة الماضي، التي لجأ إليها بعد أن أثار الارتفاع الكبير في تكلفة الاقتراض مخاوف من احتمال أن تحتاج إيطاليا، التي تعتبر ثالث أكبر اقتصاد في أوروبا، إلى مساعدة عاجلة من صندوق النقد الدولي ومصادر أخرى.

وليست هذه هي المرة الأولى التي تجرب فيها أوروبا اختبار المقاومة، لكن النتائج لم تكن مقنعة بالدرجة الكافية. وتحاول تلك الاختبارات أن تقدم نموذج محاكاة يوضح ما يمكن أن يحدث لأموال المصرف في سيناريوهات مختلفة. وتحاول بشكل خاص تحديد ما إذا كان رأسمال المصرف كافيا لتحمل خسائر القروض والاستثمارات والصمود. وشهدت نتائج مجموعة سابقة من اختبارات المقاومة، أعلن عنها منذ عام مضى، موجة من الانتقادات الواسعة بسبب افتقارها إلى الصرامة. ولم تخفق سوى بضعة مصارف من بينها المصارف الآيرلندية التي انهارت في الحال. وطبقت الهيئة المصرفية الأوروبية قوانين أكثر صرامة هذه المرة منها افتراضات اقتصادية أكثر تشاؤما وقيودا لا تسمح لكل مصرف بالزعم أنه سيصمد من خلال تغيير خطة العمل.

ربما يكون أهم ما في الأمر أن الاختبار سوف يجبر المصارف على الكشف عن الكمية التي تملكها من سندات حكومية وتوضح ما الذي يمكن أن يحدث إذا انخفضت قيمة تلك السندات. ويتجلى من خلال ذلك الواقع الأوروبي الحالي وأحد أهم بواعث قلقه. وكثيرا ما تشتري المصارف سندات من دول أوروبية مختلفة. وكان ينظر إلى ذلك، حتى العام الماضي، كاستثمار آمن يتمتع بحصانة ضد الخسارة ويمكن أن يستخدم كضمان لقروض من البنك المركزي الأوروبي أو مؤسسات أخرى على سبيل المثال. لكن في ظل مواجهة 3 دول أوروبية خطر الخضوع إلى برنامج إنقاذ من صندوق النقد الدولي، لم تعد تلك السندات رهانا آمنا. وفي الوقت الذي تطالب فيه الاختبارات تلك المصارف بدراسة ما الذي يمكن أن يحدث في حال انخفاض قيمة ما تملكه من سندات حكومية بنسبة 10 أو 15%، ابتعدت عما يطلق عليه الكثير من المحللين حاليا تنمية محتملة وأكثر صرامة متمثلة في تخلف دولة أوروبية أو أكثر عن سداد قيمة السندات. وفي تحليل لطريقة عمل الهيئة المصرفية الأوروبية، صرحت مؤسسة «ستاندرد أند بورز» بأن الاختبار الجديد أكثر صرامة وصعوبة من الأول، لكنه لا يستطيع الإجابة عن هذا السؤال الرئيسي. وقد انخفضت القيمة الاسمية لبعض سندات الحكومة اليونانية التي يتم تداولها بالفعل بمقدار 50% وهو انخفاض أكثر حدة من الذي جاء في اختبار المقاومة. ويتم إجراء محادثات حول خفض محتمل لقيمة سندات الحكومة اليونانية في خطوة تراها مؤسسات التصنيف الائتماني سببا سيضطرها إلى إعلان تخلفها عن السداد.

ويخشى البنك المركزي الأوروبي من الأسوأ؛ حيث يرى أن تخلف دولة عن السداد يمكن أن يعرض دول منطقة اليورو البالغ عددها 17 دولة إلى الخطر ومن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى أزمة ائتمانية عالمية. لكن يقول البعض الآخر إن اليونان بحاجة إلى خفض أو إسقاط للدين، وإن هذا يمكن تحقيقه من دون أن يؤدي إلى مشاكل أكبر. وبالتأكيد لن تتمكن اختبارات المقاومة من إدراك هذه المعضلة الجوهرية بشكل مباشر. و«نعتقد أن الهيئة المصرفية الأوروبية تعمدت جعل المواقف في اختبار المقاومة صعبة بدرجة تكفي لطمأنة الأسواق، لكن ليس بالمستوى الذي يشير إلى احتمال حدوث عجز في رأس المال المادي»، مما يجبر المصارف على ضخ المزيد من الأموال لدعم وضعها المالي بحسب مؤسسة «ستاندرد أند بورز». وسيكون السيناريو الأصعب هو إضافة المزيد من القيمة فيما يتعلق بتقييم قدرة القطاع المصرفي الأوروبي على سرعة التغلب على المشكلات». ويوم الخميس الماضي، استبق المصرف الألماني «هيلابا»، الذي يعتبر من أكبر المؤسسات المالية التي تملكها الحكومة الألمانية التي تخضع للرقابة بسبب علاقتها السياسية وضعف موقفها المالي، تصريح الهيئة المصرفية، بإعلانه اجتيازه لاختبار المقاومة. لكن لم تحسم نتيجة الاختبار التي أعلنها المصرف خلافا محتدما مع الهيئة المصرفية الأوروبية حول استثمار قامت به ولاية هسن الألمانية وأراد المصرف احتسابه كجزء من رأس المال. ولم تقرر الهيئة المصرفية الأوروبية بعدُ ما إذا كان ذلك مسموحا به أم لا. إذا لم يتم احتساب هذه الأموال، سوف ينخفض مستوى رأسمال المصرف عن الحد الأدنى طبقا لسيناريو اختبار المقاومة.

ووصف الصندوق، في ورقة بحثية نشرها صندوق النقد الدولي الخميس الماضي، النظام المصرفي الأوروبي بالـ«هش» نتيجة القيام باستثمارات ضخمة في سندات الدول الضعيفة مثل اليونان وآيرلندا والبرتغال والاعتماد الكبير على البنك المركزي الأوروبي في القروض قصيرة الأجل التي تحتاجها لتكون قادرة على سداد الدين. وجاء في بيان لصندوق النقد الدولي: «من المهم وضع خطط عملية وقابلة للتطبيق والإعلان عنها فورا للتعامل مع المصارف المتعثرة أو المنهارة، ثم مراجعتها لتنفيذها سريعا في حال إخفاق المصارف في اجتياز الاختبارات أو اعتبار تلك المصارف ضعيفة بعد خضوعها للاختبارات».

*خدمة «واشنطن بوست»