23 أم 25؟

TT

25 يناير (كانون الثاني) أم 23 يوليو (تموز)؟ أيهما هو العيد الوطني لمصر؟ كل السفارات العربية وغير العربية في لندن تحتفل بعيدها الوطني، الذي غالبا ما يكون يوم استقلال الدول من نير الاستعمار، أو أي يوم تاريخي يعتبر علامة فارقة بالنسبة للدولة المحتفية، واحتفلت سفارة مصر في لندن، الأسبوع الفائت، باليوم الوطني المصري، واليوم الوطني بالنسبة للسفارات المصرية حتى الآن هو يوم 23 يوليو، ووجهت السفارة الدعوات للاحتفال بهذا اليوم المجيد، على الرغم من أن «يوليو» كانقلاب عسكري تتضاءل كثيرا كعمل وطني أمام ثورة 25 يناير 2011، فلماذا لم يصدر مرسوم في مصر حتى الآن بتغيير اليوم الوطني من 23 يوليو، إلى 25 يناير، لو كانت هناك نية جادة في الاعتراف بالثورة المصرية؟ قد يقال إنني متحيز لثورة 25 يناير ضد انقلاب يوليو الذي سمي قسرا وقهرا «ثورة»، ومع ذلك فإنني لا أمانع في أن يكون السادس من أكتوبر (تشرين الأول) هو اليوم الوطني لما لهذا اليوم من قيمة عند المصريين؛ فهو يوم النصر العظيم على إسرائيل، ويوم الجندي المصري، ويوم المصريين كلهم. أما 23 يوليو فهو يوم مختلف عليه في أبسط الأحوال.

إن مربط الفرس اليوم هو حسم موضوع الشرعية، هل هي شرعية يوليو أم شرعية يناير؟ وحتى هذه اللحظة لم يعترف العسكر بثورة يناير كثورة، كل سلوكهم يدل على أنهم يرونها حركة احتجاجية؛ لذا مطلوب من المشير أن يصدر أوامره التي تعترف بالثورة الحقيقية، ثورة الناس، ثورة 25 يناير، على أنها اليوم الوطني للبلاد، وحتى يصدر هذا الأمر سيظل المصريون متشككين في نوايا العسكر؛ لأنهم لم يعترفوا بالثورة حتى اليوم. الشعب يريد اعترافا صريحا من المشير.

سيدي المشير.. إن انقلاب يوليو هو أقل الثورات المصرية أهمية، وتاريخ الثورات المصرية ربما يضع «يوليو» في قاع القائمة مقارنة بثورة عرابي، أو ثورة سعد زغلول.. ومع ذلك فتاريخ الثورات المصرية مرتبط ببعضه البعض كحلقات؛ لأن كلا منها قام بدور ما في قضية التحرر الوطني.

لا أدعي أن ثورة يناير هي الثورة الوحيدة أو حتى الأخيرة في التاريخ المصري الحديث، فربما تفاجئنا الأيام بثورات أقوى وأشد. لكن «يناير»، حتى الآن، هي أهم الثورات المصرية وأكبرها حجما وزخما ومشاركة من عامة الشعب، هي ثورة شعبية بالمفهوم الواسع. بالطبع كما ذكرت من قبل هناك ثورات مهمة وملهمة في التاريخ المصري الحديث، لكن جميعها كانت ترتبط بعبادة الفرد على الرغم من أهميتها. فهناك مثلا ثورة 9 سبتمبر (أيلول) 1881 التي اصطلح لها فيما بعد على أنها ليست ثورة الفلاحين، وإنما ثورة أحمد عرابي باشا، وأحمد عرابي كان رجلا عسكريا وطنيا قاد ثورته ضد ظلم الخديو وضد الإنجليز، وهو صاحب المقولة الشهيرة التي أسهمت بشكل ما في تفجير ثورة 25 يناير، وهي «لن نورث بعد اليوم». واستمرت هذه العبارة في الوعي المصري لتحرك الشارع ضد مشروع توريث الحكم لجمال مبارك بعد أبيه. ومع ذلك، فثورة عرابي أقل بكثير من ثورة 25 يناير من حيث الحجم والنوع وعمق تداخلها في المجتمع المصري. هناك طبعا ثورة 1919 التي ارتبطت باسم زعيم الأمة، كما يراه حزب الوفد المصري، سعد زغلول باشا، وكانت ثورة وطنية بلا شك، لكنها لم ترق إلى زخم وقوة ثورة 25 يناير.

وفي كلتا الثورتين: 1881، 1919، كانت الثورة ضد الاحتلال الخارجي المتمثل في الإنجليز، الذين حكموا مصر لأكثر من 70 عاما، وضد أسرة حاكمة من أصول ألبانية، وهي أسرة محمد علي. انقلاب يوليو جاء ضد بقايا أسرة محمد علي المتمثلة في الملك فارق الأول.

ومن هنا يمكننا القول: إن الثورات السابقة كانت ضد الاحتلال والاستعمار الخارجي، أما «يناير» فجاءت ضد الاستعمار الداخلي، ضد العبودية التي فرضها نظام يوليو على الشعب، وحوَّل شعبا كاملا إلى مجندين صغار في الجيش، فقط يتلقون الأوامر، لا حقوق لهم، فقط يطيعون ما يسمعون. هذا كان حالنا لما يقرب من 60 عاما، شعب مستعبد تماما، ولولا عبقرية هذا في المناورة والتخفي لانطفأت جذوة الروح المصرية وانتهينا كأمة إلى الأبد. جاءت ثورة يناير ونفخت هواء الحرية في رئة الوطن، ونقلتنا من حالة العبيد التي رفضها عرابي عام 1881 يوم قال: «لسنا عبيدا ولن نورث بعد اليوم»، واستعبدتنا «يوليو» حتى أوصلتنا إلى التوريث. «يناير» كانت ثورة ضد العبودية المطلقة التي كان يرزح تحت وطأتها المصريون لما يقرب من 60 عاما.

لهذا يا سيدي نريد منكم اعترافا صريحا بالثورة التي حررت المصريين من عبودية «يوليو»، ومن دون هذا الاعتراف الواضح والصريح ومن شخصكم أنتم كرئيس للمجلس العسكري الحاكم ستبقى هناك شكوك بأن هناك نفرا من العسكر أو من غيرهم يريدون أن يدخلوا مصر مرة أخرى في ظلمات العبودية بعد أن رأينا نور الحرية في 25 يناير وبعد أن دفع زهرة شباب مصر حياتهم ثمنا لحرية أرادوا لنا جميعا أن نتمتع بها.

سيداتي سادتي.. اليوم الوطني المصري في وعي الشعب هو 25 يناير وليس 23 يوليو، فهلا ألغيتم بقية الاحتفالات في السفارات، أم أنكم ستستمرون في المكابرة؟