«لائكية إن شاء الله» أو لعبة العناوين

TT

كل مبدع ذكي ينفق وقتا وجهدا من أجل اختيار العنوان الأكثر جاذبية وشدا للانتباه.. فالعنوان هو دعوة ذكية للإقبال على العمل الإبداعي المطروح سواء كان كتابا فكريا أو أدبيا أو فيلما أو مسرحية.. وغير ذلك من أشكال الفن والإبداع.

ولقد أجمع أهل الاتصال على أن هناك طريقتين لصياغة العنوان: الأول إعطاء فكرة عن مضمون المنتوج الإبداعي، والثاني يتيح للمبدع المجال كي يصوغ عنوانا غايته الأولى والأخيرة إثارة الفضول. وعادة ما يتم توخي أسلوب الغرابة أو إحداث الصدمة والاستفزاز. ويبدو أن المخرجة التونسية نادية الفاني من المبدعين الذين يميلون للصنف الثاني من العناوين، وهذا حقها وليس موضوع نقاشنا.

ولكن العنوان الأول الذي اختارته لفيلمها والذي عدلت عنه فور حصول الضجة، يكشف عن رغبة المخرجة في إحداث ضجة حولها، وهي رغبة لم تتخلص منها حتى لدى صياغتها العنوان الثاني.

واللافت للانتباه أن هذين العنوانين، بقدر ما يجدان هوى لدى المتلقي الأجنبي، فإنهما يخلقان نوعا من التوجس لدى شريحة عريضة من المجتمع التونسي.

ففي العناوين، اعتمدت المخرجة الصراخ بنبرة عالية كي تحث المتلقي على مشاهدة فيلمها، وهي نبرة تتعسف على مضمون الفيلم مسبقا، وتتعاطى مع الفيلم دون ثقة في قيمته الفنية.

ونعتقد أن الأعمال الفنية التي تطرح موضوعات ذات صلة بالشعائر الدينية والجانب السوسيوثقافي والديني للمجتمع، من المهم أن تكون رشيقة وذكية في أسلوب تمرير الأطروحة التي يتبناها الفيلم، باعتبار أن مثل هذه الأعمال تقوم على نقد أطر القيم وأنماط السلوك ذات الصلة بالعناصر السوسيولوجية الثقافية.

من ناحية أخرى، بقدر ما يتعلق المبدع بحريته، لا نرى ما يناقض أو يتوازى ذلك مع تعلق واضح بتحمل المسؤولية. وللعلم، فإن طرح مسألة شعيرة الصوم في فيلم «لائكية إن شاء الله» لنادية الفاني ليس الأول من نوعه من حيث الصدمة؛ ذلك أن الراحل الزعيم الحبيب بورقيبة صاحب الدعوة الشهيرة إلى الإفطار في رمضان، قد سبقها قبل أكثر من خمسين سنة، وكانت حجته أن تونس الحديثة الاستقلال آنذاك في حاجة إلى سواعد التونسيين للخروج من معركة التخلف التي وصفها بالجهاد الأكبر. ولقد اعتبر الباحثون دعوة بورقيبة تلك أهم مظاهر العلمية في السياسة البورقيبية.

إلا أن الفاني التي تعجلت إحداث الضجة فأوكلت هذه المهمة إلى عنوان الفيلم بدل الفيلم ذاته، لم تنتبه إلى بعض الاعتبارات الأساسية؛ وهي أن تونس تعيش حاليا لحظة هشة ومرتبكة يعيد فيها المجتمع التونسي تشكيل ذاته وترتيبها.

كما تناست أن التوجه العلماني ذاته يعيش امتحانا عسيرا بعد أن كانت الدولة حارسة له وللنخب المعبرة عنه حتى وإن كان ذلك بشكل غير واضح كما يجب. طبعا لا تعني هذه الاعتبارات أن ينتكس المبدع ويتنازل عن حريته في التعبير والتفكير، ولكن أبسط الواجبات أن يكون مسؤولا ويزن طبيعة اللحظة وتحدياتها كي لا يكون عبئا في وقت تعرف فيه الحكومة المؤقتة في تونس والنخب والشعب ذاته أعباء في حجم الجبال.. وحتى، أيضا، لا يسجل التاريخ إصدار أحكام ضد مبدعين لا يرتضيها أحد.