مردوخ.. الإمبراطورية المنهارة

TT

تشغلنا كثيرا ثوراتنا وأزماتنا وحروبنا أو احتمالات اندلاعها..

مع ذلك، فهناك الكثير مما يعنينا في قضية التنصت على الهواتف في بريطانيا، والتي تهدد بإطاحة أو ربما أطاحت فعلا بإمبراطورية روبرت مردوخ الإعلامية وتهدد مستقبل رئيس الوزراء البريطاني.

لقد تبين أن العلاقة بين مردوخ والحكومة البريطانية أو أفراد فيها قد تخطت كل الحدود المسموح بها بالعلاقة بين الإعلام والسلطة، وطبعا لا ننسى امتدادات مردوخ الأميركية عبر شبكة «فوكس» الشهيرة مما يعني أصداء أميركية لهذه القضية بدأت تتكشف فعلا. هذه الفضيحة تعري تلك العلاقة الإشكالية بين المؤسسات الإعلامية الكبرى والشرطة، أو الأمن أو السلطة بالمطلق. ويكاد يكون هناك إجماع على أن شيئا من قبيل هذه الفضيحة لم يسبق أن حصل في الإعلام، أو على الأقل لم يكشف عنه..

سبق أن كشفت صحف ووسائل إعلام عن تلفيقات لصحافييها تم طردهم ومحاسبتهم وجرت اعتذارات، لكن القضية التي تهز بريطانيا والغرب اليوم لم يسبق أن حدثت..

موظفون في صحيفة «News of the World» قدموا رشى لضباط شرطة للحصول على معلومات سرية وتسجيلات هاتفية. والضحايا كانوا مواطنين ونجوما وسياسيين، وصولا إلى أفراد العائلة المالكة البريطانية.

الدموع والاعتذارات التي أراقها مردوخ أمام عدسات الكاميرات وعلى الشاشات العالمية لن تمحو الإهانة التي ألحقها النموذج الصحافي الذي كرسه الرجل على مدى عقود حتى بات اسمه يقترن بتعبير «الصحافة الصفراء» القائمة على الفضائح والإثارة. وسبق أن أثيرت نقاشات كبرى عن احتكار وسائل الإعلام من قبل شركات محدودة، وحين كانت تطرح قضية الاحتكار كان اسم مردوخ الأول على هذا الصعيد.

لكن هذا الطرح اليوم بات ملحا.

تكرس الصحافيون بصفتهم جزءا من الحكومات، وبات السياسيون صحافيين. والقضية لا تزال مفتوحة على احتمالات فضائح أخرى وعلى احتمالات تضييق ما على الصحافة بعد اهتزاز المصداقية الذي كشفته قضية التنصت على الهواتف..

إن القضية برمتها هي قضية غربية بامتياز، لكن المقاربة عربيا جائزة، بل وربما مطلوبة.. فحقيقة التداخل بين السياسة والإعلام كان واحدا من عناوين الثورات التي حدثت وشاهدنا فصولها تتكشف في تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا..

الصحافة تقترب أكثر من السلطة، والسلطة تسعى لاحتكار وضبط الصحافة بحسب مزاجها ومصلحتها. وجرعة القوة التي اكتسبتها الصحافة بفعل التطورات الهائلة في وسائط الاتصال قدمتها في سلم السلطات، فبعد أن كانت رابعة من المرجح اليوم أنها ثانية.

في عالمنا العربي تتقدم سلطة الأنظمة الحاكمة وأجهزة القمع المباشر، أما في العالم الأول فتنافس الصحافة سلطة القرار في الدول. تهدد الحكومات وتدفع مسؤولين إلى الاعتذار، وأحيانا تظلم وأحيانا تدفع إلى الانتحار..

لم ينته بعد ربيع ثوراتنا التي تسعى بعض الأنظمة والقوى إلى جعله صيفا دمويا..

الفضيحة التي تهز بريطانيا تقابلها فضائح كثيرة مماثلة كشفتها ثوراتنا لا تقل فسادا وجرما عن تلك التي كان مردوخ مسؤولا عنها، بل ربما أكثر.. بكثير.

diana@ asharqalawsat.com