ما أسباب تأخر الإطاحة بالقذافي؟

TT

إذا كان هدف كل الفاعلين في الأزمة الليبية هو الإطاحة بنظام القذافي، كهدف أولي غير قابل للمساومة السياسية والدبلوماسية، وإذا كان القذافي لن يرحل من تلقاء نفسه أو بأي ضغط يمكن أن يمارس عليه، كما بينا في مقالنا السابق، فما العمل؟

بادئ ذي بدء، يتوجب إلقاء الضوء على الأسباب التي تجعل هؤلاء الفاعلين يستعجلون الإطاحة بهذا النظام، وبعد ذلك نتناول كل المعوقات التي تحول دون تحقيق هذا الهدف لدى كل الأطراف.

1) الأسباب التي تدفع كل الأطراف إلى إنهاء النزاع بسرعة:

أ) السبب الأول الذي يحدو بكل الأطراف إلى التسريع بإنهاء النزاع وتحقيق هدفه الواضح المتمثل في إزاحة حكم القذافي، هو أن هذا النظام يزداد عدد ضحاياه من المدنيين، كما يزداد تخريبه للبنية التحتية في كل يوم يستمر بقاؤه في السلطة. فإن الحرب التي يشنها على المدن الليبية إلى جانب كلفتها في الضحايا المدنيين، من أطفال ونساء وشيوخ، وبأعداد كبيرة مقارنة بحجم السكان في ليبيا، تدمر البنية التحتية المتهالكة أصلا. وقد تصل أحوال السكان في المدن التي يسيطر عليها، مثل طرابلس، إلى مجاعة حقيقية. فالنقص في المواد الغذائية والدوائية والمحروقات أصبح واقعا ملموسا، قد يتحول إلى كارثة إنسانية خلال الأشهر القليلة المقبلة. هذه الكلفة البشرية والمادية من أهم الأسباب التي تدفع كل الأطراف المناوئة للقذافي إلى محاولة إنهاء النزاع.

ب) إن التململ الواضح من جانب الدول الغربية بسبب نفقات الحرب، والمشكلات الاقتصادية التي تعصف بهذه البلدان، جعلت الغرب في موقف صعب للغاية، قد تدفع بشعوبه وبرلماناته إلى إعادة النظر في هذه الحملة، لا سيما إذا انسحبت الولايات المتحدة الأميركية من مسرح العمليات العسكرية؛ بفعل الضغوط التي تتعرض لها إدارة أوباما من الكونغرس، والتهديد بعدم الموافقة على تمويل هذه العمليات. لذلك فإن دول الناتو المشاركة في العملية العسكرية سوف تحاول، بقدر الإمكان، أن تحل الأزمة بطريقة من الطرق، وبشكل قد تقدم فيه تنازلات أو تقبل باتفاقات لا يرضى عنها الثوار.

ج) إن إطالة عمر النزاع المسلح سوف تستقطب أعدادا متزايدة من المتشددين الذين سوف يتهافتون على ليبيا من كل حدب وصوب، وبأجندات تختلف كليا عن أهداف المشاركين في الصراع حتى الآن. فإن «القاعدة» التي تلقت ضربات موجعة في العراق وأفغانستان وباكستان، أصبحت تبحث عن مأوى آمن، وليست هناك أرض مغرية أفضل من ليبيا، التي تتوسط دولتين تشهدان حراكا سياسيا وأنظمة ما زالت في طور التخلق، وهما مصر وتونس. فأي شخص له تفكير استراتيجي ينتمي إلى هذه الجماعات، لن يتردد لحظة واحدة في اقتناص هذه الفرصة الذهبية السانحة. مع العلم أن الجماعة الليبية المقاتلة، وامتدادها الإقليمي في المنطقة من خلال «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، قد يكونان حجر الزاوية في بناء تنظيم كبير انطلاقا من ليبيا في وضعها الراهن، يهدد مستقبل هذه الدول كلها، كما يهدد الأمن القومي الأوروبي والعالم. وعندئذ، لن تنتهي مأساة ليبيا إلا بمأساة أخطر، تكون فيها أرض المعارك المقبلة بين كل القوى المتصارعة في العالم.

د) إن الشركات النفطية العالمية التي استثمرت عشرات المليارات في هذا القطاع في ليبيا، منزعجة من انقطاع تدفق النفط الليبي لفترة غير معلومة. إن هذا التوقف يضر بالمصالح الأوروبية خاصة، ويكون ضرره أكبر في فترة الأزمات الاقتصادية الكبرى، كالتي نعيشها الآن. لذا لا يمكن أن نتجاهل الضغوط التي ستمارسها لوبيات الشركات النفطية على القرار السياسي في هذه الدول، مع العلم أن إطالة أمد الصراع واتساع رقعته قد يهددان المنشآت النفطية ذاتها، مما يجعل إعادة تدفق النفط أمرا عسيرا يستلزم وقتا وأموالا، حتى بعد انتهاء الصراع. لذلك فإن هذا العامل سيدخل في حسابات إنهاء الصراع والتعجيل به والتقليل من مخاطره، حتى وإن كان القرار في غير صالح الثوار.

2) العوائق التي تحول دون الإطاحة العاجلة بنظام القذافي

أ) إن الدول المشاركة في الحملة العسكرية (الناتو)، لا تريد ولا ترغب في تسليح الثوار بأسلحة يحسمون بها الصراع في وقت معقول. وهذا السبب مرده إلى أن هذه الدول غير واثقة من قدرة الثوار على ضبط هذا السلاح وعدم تسربه إلى أعدائها، وعلى الأخص تنظيم القاعدة، التي يتخوفون من وجودها في صفوفهم. وكذلك يتوجسون من استعمال هذا السلاح بعضهم ضد بعض، أو ضد ثوار آخرين في مناطق أخرى، أو يتوجسون من تحول هذا السلاح إلى أداة قمع للآخرين بعد سقوط النظام لتكريس آيديولوجيات معينة. لهذه الأسباب نرى الثوار غير قادرين على حسم المعارك بشكل جلي ضد كتائب القذافي. فهم بعد أربعة شهور من بداية الثورة ما زالوا يراوحون في موقف الدفاع، وحتى الهجمات التي يقومون بها هي هجمات دفاعية، كما في جبل نفوسة ومصراتة. وإن قصف الناتو الجوي لن يكون له مردود جيد إذا لم تكن هناك قوة على الأرض قادرة على حسم المعارك واحتلال المواقع. أما القصف الجوي بمفرده فلا يحسم المعارك على الأرض بشكل واضح؛ لذلك نعتبر عدم تسليح الثوار أحد العوائق الحائلة دون التسريع بإطاحة القذافي.

ب) إن المجلس الانتقالي، على الرغم من الإشادة به في كل مكان في ليبيا، والانضواء تحت لوائه من كل عناصر الثورة، واعتراف أهم دول العالم به، كممثل للشعب الليبي ومحاور وحيد، فإنه ما زال ضعيفا، غير قادر على التحكم بشكل جيد في مجريات الأحداث، وليست له القدرة الفعلية على القيادة والتنسيق بين بقع المقاومة المتباعدة، وعلى وضع استراتيجية قتالية من خلال مجلسه العسكري، من شأنها أن تحدد الأولويات، وتتناغم بشكل عملي مع حلف الناتو.

كما أن هذا المجلس لم يقم بأي مبادرة سياسية، وإنما انحصر دوره في تلقي هذه المبادرات، وكل ما فعله هو الرفض أو الموافقة بإضافة شروط مشروعة، وكأنه غير معني بالقضية السياسية التي يفترض أنها من صلب عمله، بل هي أساس شرعية وجوده.

هذا العائق يجعل الدول المعنية بالأزمة الليبية لا تثق بمقدرته على الإمساك بزمام الأمور، وضبط بلد مترامي الأطراف كليبيا، وبمكوناته العشائرية والإثنية. وتبعا لذلك يعتبر هذا الخلل أحد العوائق الحائلة دون الإسراع بإطاحة نظام القذافي.

ج) خوف الغرب، وكذلك الليبيين، من انهيار الوضع الأمني إثر سقوط النظام، وعلى الأخص في مدينة طرابلس، فهذه المدينة التي تحوي ثلث سكان ليبيا قد يتحول وضعها إلى كارثة أمنية، وذلك بسبب الألغام الاجتماعية التي زرعها هذا النظام على امتداد أربعة عقود.

فهذا النظام قد استباح حرية الملكية الفردية، ودفع بكثير من الناس إلى الاستيلاء على عقارات غيرهم من الليبيين. كما أنه من خلال التعذيب والقتل والاغتيال الممنهج للمعارضين، كون مجموعات لا يستهان بها من الممقوتين في المجتمع. وإن كثيرا من هؤلاء الذين وقع عليهم هذا الظلم وأقرباءهم وعشائرهم، ينتظرون الفرصة لكي ينتقموا ممن ألحق بهم هذا الضرر. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن المتعاونين مع النظام، الذين لم يعد بإمكانهم حتى طلب الصفح لتلطخ أيديهم بدماء الشعب وبنهب أمواله، سوف يحاولون نشر الرعب والفوضى؛ لأن سقوط النظام ليس من مصلحتهم، وسوف يشاركون في الأعمال الإرهابية والعدائية حتى لا يستقر النظام الجديد، لمعرفتهم حق المعرفة بأنهم سوف يحاسبون.

إذا ما أخذنا هذه الشرائح في مجموعها من الناحية الكمية، فسيكون لنا أعداد كبيرة من أعداء الثورة الذين سيحاولون الإجهاز عليها بالفتن عندما لا يستطيعون هزيمتها على أرض المعركة.

أضف إلى ذلك أن القذافي في بداية الثورة قد أفرغ كل السجون من كل المجرمين العتاة، الذين لن يكون لهم من هم سوى النهب والسلب وتأجير أنفسهم لمن يدفع أكثر. مع العلم أن السلاح أضحى في كل بيت إن لم يكن في كل يد. لذلك، فإن وجهات النظر في هذه القضية تختلف اختلافا بينا. فالثوار بتفاؤلهم يعتقدون أنهم سيسيطرون على الوضع الأمني أسوة بما حصل في بنغازي، مع الفارق الكبير في الحالتين، فقد تم تحرير بنغازي ولم يتم الهدف الأكبر وهو سقوط النظام، أما سقوط طرابلس فهو سقوط النظام كذلك.

أما حلف الناتو، فيعتقد أن الثوار والمجلس الانتقالي بوضعه الحالي غير قادرين على التحكم وضبط الأمن في طرابلس، ولهذا لن يسمحوا للثوار بالسيطرة عليها أو الإطاحة بالنظام بقوتهم الذاتية. وكل ما يأملونه هو في إيجاد مخرج آمن للقذافي؛ حتى يسلم السلطة لأشخاص يقع الاتفاق عليهم. وهذا سبب من أسباب عدم الإطاحة بنظام القذافي.

* معارض ليبي