مصر: وعد ثورة

TT

هل ستبدد أطراف داخل مصر - تزعم أنها ديمقراطية - آمال الشعب في نظام ديمقراطي؟ هذا السؤال ليس من وحي الخيال، إذ تدعو مجموعة من الأفراد والحركات والأحزاب، التي تصف نفسها بأنها ليبرالية وديمقراطية وعلمانية وإشتراكية، إلى تأجيل الانتخابات المزمع عقدها في سبتمبر (أيلول). ويردد هذه الدعوة حركات تأمل الحفاظ على النظام في شكل جديد. ويأتي ذلك على الرغم من أن قرار إجراء انتخابات في شهر سبتمبر اتخذه الشعب المصري في مارس (آذار) بتصويت 77 في المائة بـ«نعم» خلال استفتاء.

يجب أن يفكر مَن يدعون لإرجاء الانتخابات بحرص في مغزى ذلك. أولا: يعني ذلك أنه قد يتم تجاهل إرادة الشعب، التي يُعبر عنها عبر انتخابات حرة، كما حدث مع الاستفتاء. وسيضفي ذلك ضبابية على الديمقراطية، بعد السماح لرغبات أقلية بأن تنقض إرادة الأغلبية.

ثانيا: إرجاء الانتخابات سيضع المجلس الأعلى للقوات المسلحة فوق إرادة الشعب. وسيمنح العسكر مرجعية أخلاقية كجمعية تأسيسية. ومن الناحية العملية، سيمنح ذلك المجلس الأعلى للقوات المسلحة حرية كاملة في تحديد ما إذا كان سيسمح بتحول ديمقراطي ومتى سيكون ذلك، أو على الأقل ما هي وتيرة عملية التحوّل. وبمجرد إلغاء العسكر نتائج انتخابية، فلن يكون هناك ضمان بأنه لن يفعل ذلك مرة أخرى. وقد يتحول هذا الفعل العرضي إلى سلوك دائم.

وأخيرا، وربما الأكثر أهمية، فإن إرجاء الانتخابات سيمثل سابقة خطيرة، فبعد ذلك يمكن أن تزعم أي أقلية بأن لها مرجعية عند الطعن في أي انتخابات أخرى.

ولا تعد هذه المرة الأولى التي تواجه فيها مصر هذا المأزق، ففي عام 1953 تناقش الضباط الأحرار، الذين تولوا مقاليد الأمور بعد انقلاب، حول إجراء انتخابات. وفي ذلك الوقت، دعم اللواء محمد نجيب، مع أحزاب ومجموعات ديمقراطية، إجراء الانتخابات. وفي المقابل، تحالفت جماعة الإخوان المسلمين مع العسكر الذين يتزعمهم جمال عبد الناصر في الدعوة لإرجاء الانتخابات «حتى تتوافر الظروف المناسبة».

ومن نافلة القول أن «الظروف المناسبة» لا تتوافر يوما، وسقطت مصر تحت حكم ديكتاتوري استمر حتى يومنا هذا. ودفعت جماعة الإخوان المسلمين ثمنا باهظا لتحالفها مع عبد الناصر ضد الديمقراطية، فيما أُلغيت كافة الأحزاب الديمقراطية.

إن الدعوة لإلغاء نتائج انتخابية تكون أشد سوءا عندما يرفعها أشخاص شاركوا في العملية الانتخابية، فالمشاركة في انتخابات، كما الحال في أي لعبة، تتضمن التزاما أخلاقيا بالنتائج، حتى لو انتهى الأمر بأن يطعن الخاسر في النتائج بوسائل أخرى. وقد كان هذا حال أول انتخابات حرة داخل روسيا عام 1917 عندما بدا البلاشفة أكبر الخاسرين. لقد قبلوا النتائج، ولكن تحركوا بعد ذلك لتدمير البرلمان المنتخب حديثا بتهديد السلاح.

وفي تشيلي لم تطالب الأحزاب الديمقراطية، ومن بينها تلك التي عانت من حكم العسكر، بوقت لإعادة البناء قبل خوض الانتخابات. وقبلوا من الجنرال بينوشيه عرضا بإجراء انتخابات، وكانت تدرك أن الهدف هو إعادة الجيش إلى الثكنات.

وعلى أي حال فإن الديمقراطية عبارة عن عملية وليست تجربة تنفذ مرة واحدة فقط. إن إجراء انتخابات واحدة لن يحدد العملية الديمقراطية بالكامل. ربما تخسر الحركات المؤيدة للديمقراطية داخل مصر الانتخابات المقبلة، ولكن يجب أن تحارب بإصرار من أجل الفوز بالانتخابات التالية.

يتحدث البعض عن «الثورة المصرية»، ولكن لم نشهد بعد ثورة داخل مصر، فما لدينا حتى الآن هو «وعد» بثورة، وسيتحقق هذا الوعد عندما يحدث تغير لنظام الحكم داخل مصر. وما لدينا حتى الآن مجرد تغيير داخل النظام.

إن تغيير النظام الحاكم يعني عودة القوات المسلحة إلى وظيفتها كمدافعين عن سلامة أراضي الدولة في مواجهة التهديدات الخارجية. كما يعني تغيير النظام الحاكم أيضا التخلص من الثقافة السياسية المخابراتية داخل مصر.

على مدار العقدين الماضيين تحول النظام الحاكم المصري إلى واجهة من خلالها سيطرت الخدمات الاستخباراتية على السلطة الحقيقية. ولم يكن العقل الشرير في النظام الحاكم هو الرئيس حسني مبارك، حيث لا يتسم بشخصية قوية، بل كان عمر سليمان، الذي كان يدير الخدمة الأمنية.

لا يمكن تحقيق أي من الأهداف السالفة الذكر تحت حكم العسكر، على الرغم من أن الحكومة الجديدة التي شكلت هذا الأسبوع تبدو أكثر استجابة لمطالب ميدان التحرير. ربما تستخدم الأجهزة الأمنية العسكرية الأحزاب الموالية للديمقراطية وحركات سياسية كغطاء لمحاولة الاستمرار في السلطة أو على الأقل ضمان جزء كبير منها في أي منظومة مستقبلية.

ومن الحجج التي تستخدمها الأجهزة لإطالة مرحلة يطلق عليها بالانتقالية «الوضع الأمني المتدهور» داخل البلاد. الذي يبقى من هذه الحجج أنه لا يمكن أن يسود أمن من دون حرية (وبالطبع لا توجد حرية من دون أمن).

تحت النظام الأمني العسكري، لم يشعر المصريون بأمن. وإطالة هذا النظام بأي صورة لن يعزز أمن أي أحد داخل مصر.

وكلما سارعت مصر بإنهاء الفصل الناصري واستأنفت حياة عادية، كان الوضع أفضل بالنسبة إلى المصريين. ولإنهاء هذا الفصل، لا بد أن تكون الفترة الانتقالية قصيرة، ولحدوث ذلك لا بد من إجراء انتخابات.