المرأة الجنية الإنسية

TT

سألني أحدهم قائلا: لو أن نهاية العالم سوف تكون بعد ساعة، فماذا سوف تفعل في هذه الساعة؟! كان سؤاله فجائيا وصادما، جعلني للوهلة الأولى أهتز يمنة ويسرة مثلما يهتز بندول الساعة، ولكنني بعد برهة انتبهت على حالي واستويت جالسا وقلت له:

لا شك أنني ارتحت عندما علمت أن النهاية سوف تكون جماعية (فالموت مع الجماعة رحمة) - مثلما يقولون.

فمصيبة الموت التقليدية أو العادية أنك تموت وحدك وتترك الآخرين يتمتعون بعدك بملذات الحياة، وهذا هو الشيء الذي لا أطيقه، وتظل روحي وهي تغرغر في الرمق الأخير حاسدة وحاقدة على كل البشر الأحياء.

أعود لما سوف أفعله في هذه الساعة المباركة.

أولا: سوف أكون منشرح الخاطر (24 قيراطا)، ثانيا: سوف أمزق أوراقي وأكسر أقلامي، ثالثا: سأستدعي جميع الوجوه التي أحببتها يوما، وأقضي جل تلك الساعة معهم بالصخب والطبل والزمر والغناء والرقص وجميع أوجه (البسط)، وما إن تعلن الساعة الدقيقة الخامسة والخمسين من الوقت حتى أترك الجميع وأنتحي بنفسي جانبا، فارشا سجادتي على الأرض، رافعا كفي نحو السماء متضرعا وطالبا من المولى عز وجل المغفرة وحسن الختام، ويا دار ما دخلك شر.

* * *

لما اشتغل عبد الملك بن مروان بمحاربة مصعب بن الزبير اجتمع الروم إلى ملكهم في القسطنطينية، فقالوا له: «قد أمكنتك الفرصة من العرب بتشاغل بعضهم ببعض فالرأي أن تغزوهم في بلادهم». فنهاهم عن ذلك وخطأ رأيهم، ودعا بكلبين فحارش بينهما، فاقتتلا قتالا شديدا.. ثم دعا بثعلب فخلاه بينهما، فلما رأى الكلبان الثعلب تركا ما كانا فيه من قتال، وأقبلا على الثعلب حتى قتلاه.. فقال ملك الروم: «هذا مثلنا، ومثل العرب.. يختلفون فيمن بينهم، ولكنهم يجتمعون على الأجنبي!».

انتهى كلام ملك الروم، وسؤالي هو: هل ما زال عرب اليوم هم مثل عرب الأمس؟!

* * *

شاهدت بغتة امرأة لا أدري كيف أصفها، ولكنني وقبل أن يغمى علي تذكرت أبيات (بشار بن برد) عندما قال:

حوراء إن نظرت إليك

سقتك بالعين خمرا

وكأن تحت لسانها

هاروت ينفث سحرا

وتخال ما جمعت عليه

ثيابها ذهبا وعطرا

متخشعا تحت الهوا

عشرا وتحت الموت عشرا

جنية إنسية (....)

وبين ذلك أجل أمرا

[email protected]