هل تشهد سوريا صراعا طائفيا؟

TT

تصاعد الحديث حول الصراع الطائفي في سوريا بعد الأحداث الأخيرة في مدينة حمص بوسط البلاد، والأساس في هذا التصعيد يكمن في أمرين: الأول، ما تناقلته الأنباء عن اشتباك بين مواطنين من طائفتين مختلفتين في مدينة حمص. والثاني، أن حمص مدينة مختلطة دينيا وطائفيا، إذ هي تضم مسلمين ومسيحيين، ويتوزع الطرفان إلى مذاهب وطوائف عدة، ويشكل المسلمون من السنة والعلويين أكبر كتلتين من مسلمي المدينة، وهو الأمر الذي يستند إليه القول والتفكير في موضوع الصراع الطائفي.

والحق أن مدينة حمص مدينة تاريخية، وهي مختلطة منذ زمن بعيد، ولم تكن في يوم من الأيام مدينة صراع ديني وطائفي، بل مدينة تعايش وتعاون، ليس بالاستناد إلى تاريخها فقط، وإنما استنادا إلى وظيفتها الاقتصادية والاجتماعية كمدينة تجارية وصناعية، وبفعل حضورها البارز في الحياة السياسية، وهي التي أفرزت ثلاثة من رؤساء سوريا في فترة ما بعد الاستقلال، وكان من أبنائها قادة كبار من مختلف الجماعات السياسية في سوريا من قوميين وشيوعيين وإسلاميين.

وبغض النظر عما سبق، فإن المدينة في سياق تعاطيها مع مجريات وتطورات الأزمة الراهنة في سوريا، ومن باب تحصين وتقوية لحمة سكان المدينة، فقد بُذلت جهود متعددة من نخبة الأحياء لبحث ما يحيط بالمدينة وسكانها من مشكلات والعمل على معالجتها، وكان من بين آخر ما جدوا للعمل عليه رفض الفتنة الطائفية، والتأكيد على وحدة أبناء المدينة، وتآزرهم في مواجهة الظروف التي تحيط بالمدينة وسكانها، وهو سلوك مشهود للمدينة المشهورة بتآزرها في المستوى الاجتماعي وتراحم وتعاون نسيجها من عقود طويلة.

وقائع مدينة حمص في بعدها عن الصراع الطائفي تشبه في معطياتها أوضاع أغلب المدن السورية، لكن ذلك لا يكفي لنفي الأحاديث عن صراع طائفي في سوريا، وقد تكررت تلك الأحاديث وتصاعدت في الأشهر الماضية من عمر الأزمة التي تعصف بالواقع السوري، خصوصا وأن هناك أطرافا بعضها داخل النظام تدفع نحو صراع كهذا، لأنه يعيد تركيب الأزمة الحالية بمعطيات غير معطياتها الحقيقية، بما فيها من معطيات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، دافعا إلى اختصارها في صراع بين طوائف، ولا شك أن أجهزة أمنية وإعلامية من داخل النظام تمثل بعض الأطراف المنخرطة في التحشيد الطائفي وفي الدفع نحو صراع طائفي.

غير أن الدفع والتحشيد باتجاه الصراع الطائفي ما زال أبعد من أن يترك أثرا ملموسا في الحياة السورية، ليس فقط بسبب بعد السوريين عن العنف، وهو أمر معروف عنهم، وميلهم إلى السلم، بل بسبب الإرث الثقيل الذي خلفته مرحلة الثمانينات من صراع اتخذ طابعا طائفيا بين السلطة والجماعات الدينية المسلحة، وقد اشتغل السوريون وما زالوا على ذلك الإرث لتصفيته.

والأهم مما سبق أن السوريين في حراكهم الشعبي الراهن دأبوا على رفع شعارات وترديد هتافات تناهض استخدام القوة وترفضه، وتؤكد على فكرة الوحدة الوطنية والجوامع المشتركة للسوريين، وتعلن تضامن الجميع بعضهم مع بعض، كما دأبت هتافات المتظاهرين والمحتجين على إرسال التطمينات باتجاه كل مكونات الجماعة الوطنية في سوريا.

وهتافات وشعارات الحراك السوري لا تهدف إلى تطمين السوريين فقط، إنما هدفها الأساسي هو إيضاح الطابع التحرري للحراك الشعبي في مساره نحو الحرية والكرامة ومن أجل دولة ديمقراطية تعددية، توفر العدالة والمساواة وحقوق الإنسان على قدر واحد لكل السوريين، مما يجعل الحراك أبعد ما يمكن عن التهيئة أو الانخراط في صراعات طائفية، وهو توجه يتماثل مع ما تتبناه جماعات المعارضة السورية في سعيها إلى تغيير وطني ديمقراطي، أكدت مرات أنه تغيير سلمي.

إن مخاوف الصراع الطائفي هي مجرد مخاوف، لكن هذه المخاوف يمكن أن تتزايد في حال عدم مباشرة الحل السياسي واستمرار مجريات الحل الأمني وتفاعلاته، ولا سيما في ظل عمليات التحشيد الإعلامي التي تسهم في الاحتقانات الطائفية، وفي ظل استمرار مشاركة جماعات الشبيحة الموالية للنظام في التصدي والتعدي على الحراك الشعبي قتلا وجرحا واعتقالا وتخريبا للممتلكات، وهي سياسات تدفع إلى منزلقات الحرب في الداخل أو إلى التدخلات الأجنبية العنيفة، وربما إلى الاثنين معا، مما يعني ضرورة الإسراع في وقف مسارات الحل الأمني والتوجه نحو الحل السياسي من أجل تغيير ديمقراطي تعددي يتناسب مع طموحات السوريين بالتغيير.

* معارض سوري