«أن تعرف أكثر»!

TT

التقيت رئيس الوزراء اليوناني الراحل، أندرياس باباندريو، ثلاث مرات، إحداها في منزله على مشارف أثينا. وفي المرات الثلاث كان يشكو من أن العرب لا يعطون اليونان أي أهمية، على الرغم من موقعها الجغرافي وعلى الرغم من مواقفها المؤيدة لقضاياهم. وأوكل باباندريو إلى ياسر عرفات أن يقنع الدول العربية بالاستثمار في اليونان، دعما لصمودها في وجه الضغوط والإغراءات. وأخفق باباندريو، كما أخفق عرفات.

كانت سياسات تركيا آنذاك مؤيدة لإسرائيل بلا تحفظ. وحاولت اليونان أن تلعب على حبل التأييد والعداء، لكنها في النهاية أعلنت يأسها وقالت في نفسها لماذا تحمل السلم بالعرض بينما أصحاب القضية أنفسهم غير مهتمين بالأمر. بعد أندرياس باباندريو جاء إلى رئاسة الوزراء ابنه ووزير خارجيته وحفيد جورج باباندريو الجد. وقرر على ما يبدو، ألا يكرر تجربة والده. وتغيرت سياسة اليونان ألف درجة. وعرف بالأمر الجميع، إلا العرب.

الذين قرروا أن يبحر «أسطول الحرية» من مرفأ بيريوس إلى غزة، فاتهم أن يطرحوا سؤالا ساذجا: هل تغيرت سياسة الابن عن سياسة الأب؟ أعدوا العدة واستعدوا على أساس أن كل شيء لا يزال كما كان قبل ربع قرن. لم يتبلغ أحد أنه عندما غيرت تركيا موقفها اندفعت إسرائيل نحو اليونان، بكل قواها وأجنحتها. ففي الولايات المتحدة تحالف المهاجرون اليونانيون واليهود. وفي أثينا استضافت العاصمة مؤتمر رؤساء الجاليات اليهودية في العالم. وذهب نتنياهو إلى ألمانيا ليطلب من أنجيلا ميركل مساعدة اليونان على ديونها، ثم تطلع إلى باباندريو وقال: لقاء ذلك، لدينا طلب بسيط. امنعوا السفن من الإبحار إلى غزة.

توالت عندها الأعطال في السفن ونضوب الوقود ومذكرات الجمارك، فاضطر ركاب «أسطول الحرية» إلى العودة لبلدانهم، فيما لم تضطر إسرائيل إلى اقتحام السفن وقتل ركابها ومواجهة أزمة دولية أخرى. وتوج كل شيء بزيارة قام بها الرئيس اليوناني كارلوس بابادوبولس إلى إسرائيل! بدل أن ينجح «أسطول الحرية» في عرض الصلف الإسرائيلي، نجحت تل أبيب في كسب الحليف الذي لم يرد أحد من العرب الالتفات إليه.

ترفع «العربية» شعار «أن تعرف أكثر». وليته يكون شعارا في العالم العربي. ففي أسوأ الحالات، المعرفة لا تضر. ولو كانت الأنظمة الغارقة في مواجهة مع الناس، تعرف أكثر قليلا، لكان حالها وحالنا أفضل كثيرا. لكن ها نحن لم نبلغ بعد أن اليونان انتقلت من باباندريو الجد والأب إلى الحفيد. ومن الأمل بالتعاون مع العرب إلى اليأس منهم. ومن مؤيدة للعرب إلى متواطئة مع إسرائيل. برا وبحرا.