خارطة طريق لسوريا ما بعد الأسد

TT

مع زيادة إدارة أوباما تأييدها لتغيير للنظام في سوريا، يتجه «الربيع العربي» إلى ما يمكن أن يطلق عليه أكثر المراحل سخونة. وتكمن المعضلة في كيفية مساعدة المعارضة السورية على اكتساب قوة وزخم دون تدخل عسكري أجنبي ودون حدوث مذابح طائفية داخل البلاد.

انتظر الرئيس أوباما لأشهر في ظل اندلاع الاحتجاجات وتزايد حدتها في سوريا ليرى ما إذا كان الأسد يستطيع أن ينفذ وعوده بالإصلاح. لكن الأسبوع الماضي، تخلت الإدارة الأميركية عنه وغيرت موقفها تماما وبدأت العمل بنشاط وهمة للمساعدة في الانتقال إلى نظام ديمقراطي.

وأعلنت هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأميركية، عن السياسة الجديدة من خلال تصريحها الواضح والصريح في الحادي عشر من يوليو (تموز) الذي أكدت فيه أن الأسد «فقد شرعيته»، وأن هدف الولايات المتحدة هو التحول الديمقراطي. لقد تركت كلينتون الباب مواربا للإصلاحيين داخل نظام الأسد، وشجعت السبت الماضي في إسطنبول: «المعارضة التي يمكن أن ترسم طريقا لمستقبل أفضل من خلال تعاون سلمي مع النظام». وتراقب الإدارة عن كثب «الطرف المنخرط في النظام الحالي الذي يمكن أن يناسب المرحلة الانتقالية»، على حد قول مسؤول رفيع في البيت الأبيض.

ولخص مسؤول آخر في البيت الأبيض التوجه الجديد من خلال القول: «إن سفينة الأسد تغرق. أهم ما في الأمر هو جعل الناس يدركون ذلك على أمل أن يقفزوا من السفينة ويركبوا قارب نجاة». يعني هذا بالنسبة للولايات المتحدة العمل مع المعارضين السوريين وكذلك مع تركيا وقوى إقليمية أخرى يمكن أن تلعب دور الوسيط.

ترغب الإدارة في تشجيع المعارضة السورية داخل البلاد على التوحد ووضع أجندة واضحة واختيار قيادة تضم جميع الأطياف. ويتولى قيادة هذه المحاولة روبرت فورد، السفير الأميركي في دمشق، الذي يصفه أحد مسؤولي الإدارة بأنه «مطية الانتقال». ويقال إن فورد أكد خلال اجتماعاته مع معارضين أن على المعارضة التواصل مع الأقليات مثل المسيحيين والدروز والعلويين الذين تساورهم المخاوف والشكوك من هيمنة الإخوان المسلمين على المشهد السياسي خلال حقبة ما بعد الأسد. وفي ظل تشجيع أميركا، تأمل المعارضة أن تعقد اجتماعا في سوريا خلال الأسابيع القليلة الماضية للوصول إلى توافق حول أجندة موحدة. وحاولت المعارضة أن تعقد اجتماع الأسبوع الماضي بالتزامن مع اجتماع لما يسمى «مجلس الخلاص الوطني» في إسطنبول، لكن السلطات السورية منعته.

وقد تم رسم خارطة طريق للمعارضة في مقابلة أجراها رضوان زيادة، الباحث الزائر بجامعة جورج واشنطن الذي يتابع الجماعات المعارضة. وأوضح زيادة أنه اتصل بأشخاص ربما يكونون قد حضروا اجتماعا منظما في سوريا يتضمن نشطاء بارزين في حقوق الإنسان هم رياض السيف ووليد البوني، وكذلك شخصيات من الدروز والمسيحيين والعلويين ذكر أسماءهم. وقال زيادة إن الهدف هو خلق «قيادة واضحة قوية تستطيع القيام بتغيير من الداخل» وصياغة «إعلان دمشق» جديد ليكون بمثابة برنامج لمرحلة انتقالية.

لا يزال الأسد يتحدث عن رغبته في وضع قوانين إصلاحية جديدة، لكن يقول مسؤولون أميركيون إنه يدعم (أو ربما يستجيب) المتشددين الذين يقودهم أخوه ماهر، قائد الحرس الجمهوري، وحافظ مخلوف، أحد أبناء عمومته الذي يترأس قوات أمن أخرى. ويدخل عاملان في تشكيل المعادلة السورية؛ الأول هو حدوث انشقاق داخل صفوف الجيش يتضمن مسؤولين نافذين. وقد ظهر أحد المؤشرات الدالة على هذا الأمر نهاية الأسبوع الماضي عندما اجتمع ضباط منشقون في مدينة البوكمال في شرق سوريا.

أحاطت دبابات الجيش السوري بالمتظاهرين وبدا حمام الدماء وشيكا، لكن تدخل مشايخ القبائل وتم الاتفاق على عقد هدنة. ويتوقع محللون استخباراتيون أميركيون حدوث المزيد من الانشقاقات مع تزايد الضغوط على الأسد.

البطاقة الأخرى التي ستؤثر على المعادلة هي العنف الطائفي بين المعارضين السنة والأقلية الحاكمة من العلويين. وقد ظهر آخر مؤشرات ذلك يومي الأحد والاثنين عندما قُتل ما بين 15 إلى 30 سوريا في اشتباكات طائفية في حمص بحسب التقديرات الأميركية. وقد وصف مسؤول في البيت الأبيض تلك التقارير بأنها «مثيرة للقلق». الاحتمالات الاستراتيجية كثيرة في سوريا، ومن أسباب ذلك تحالف الأسد القوي مع النظام المعارض للغرب في إيران.

وتداول مسؤولون في البيت الأبيض الأسبوع الماضي تقريرا إخباريا يوضح تعهد إيران بدفع معونة مالية عاجلة قدرها 5.8 مليار دولار لنظام الأسد. ربما تظاهر كل من طهران ودمشق يوما بأنهما يدعمان «الربيع العربي»، لكنهما لم يعدا كذلك. ويدرك النظام الإيراني جيدا أنه إذا سقط نظام الأسد أمام مظاهرات المواطنين السوريين فسيكون هو التالي. حكم أوباما على الوضع في سوريا هو أن «الأسد شخص اتخذ كل الخطوات الخاطئة ردا على الاحتجاجات»، على حد قول أحد المسؤولين في البيت الأبيض. وتسعى واشنطن حاليا إلى الوصول إلى حقبة ما بعد الأسد بطريقة سريعة وسلمية.

* خدمة «واشنطن بوست»