أهم من 23 أو 25

TT

طرح كثيرون في مصر هذا السؤال: هل الثورة هي 23 يوليو (تموز) أم 25 يناير (كانون الثاني)؟ نقول لكم الفارق: «23 يوليو» لم تعلن نفسها «ثورة» إلا بعد فترة على قيام حركة الضباط الأحرار بخلع الملك فاروق. وبعد عامين على قيامها وضع جمال عبد الناصر كتاب «فلسفة الثورة». ولم تكتف «23 يوليو» بتغيير الحكم بل غيرت أيضا النظام والآيديولوجيا وطبيعة الاقتصاد والعلاقات الدولية.

أليس من المبكر على «25 يناير» المطالبة بالحلول محل «23 يوليو» وحمل اسم الثورة؟ كل ما نعرفه عنها حتى الآن أنها أطاحت الحكم، لكنها لم تطرح أي بدائل، ولم تطرح أي رؤية سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية. ولم توحد نفسها في فريق أو حتى في مجموعة واحدة. وما زالت تتخذ قراراتها في الميادين وليس في المؤتمرات.

«25 يناير» تبدو وكأنها أكثر من فوجئت نفسها بنجاحها في إطاحة الحكم. لكنها اليوم تتصرف وكأنها لم تقم لمجرد عزل حسني مبارك بل لمواجهة الجيش وإبقاء مصر في الفوضى. وما يثير القلق والاستنكار أن ثمة من يجر مصر إلى العنف، كما في ليبيا وسوريا، بعدما استطاع العسكر إبقاء مصر خارج هذه الدائرة المفرغة. وأيا تكن الجهة الفاعلة أو المحرضة أو الفالتة، فهي سيئة وعديمة المسؤولية.

يردد كثيرون أن الثورة في فرنسا لم تستقر إلا بعد 50 عاما، فلنعط الثورة المصرية بعض الوقت. هذا أيضا كلام غير مسؤول. ظلت فرنسا 50 عاما في الموت والجوع والفوضى والخوف. والقرن الثامن عشر ليس القرن الحادي والعشرين. ومن قال إن على الشعوب أن تكرر الأخطاء والغباء وتبديد الزمن وتجويع البشر وتأليف الحكومات وصنع المستقبل في الميادين؟

23 يوليو و25 يناير تاريخان عاديان. التاريخ المهم هو 7 آلاف سنة من استمرارية مصر كدولة كبرى، سواء كان الحاكم رمسيس أو محمد علي. و23 يوليو مرحلة و25 يناير مرحلة ولا ضرورة لهذا الجدل البيزنطي بينما الخزانة المالية تفرغ والاقتصاد يتدهور والوزراء يدخلون من الأبواب ويرمون من النوافذ. قامت الثورة باسم الديمقراطية والحريات والمساواة، فإلى ماذا يمكن أن تجر هذه الفوضى؟ إلى ماذا يمكن أن يؤدي الاصطدام مع الجيش وتعطيل حركة الدولة ونقل الحياة السياسية إلى الشوارع، إلا إلى الخوف على مصير الحرية والديمقراطية، وحتى إلى الخوف على السلم الأهلي؟ لقد بدأت حالة الضياع والفوضى تتحول إلى دماء. ودماء مصر أغلى من 23 و25.