صورة غني بلا حرب!

TT

البخت.. النصيب.. القرعة.. الاجتهاد.. حب العمل.. دعوة ولية ساعة مغربية.. طاقة القدر.. ساعة نحس.. لا يعرف ماذا حدث.. ولكنه فجأة وجد نفسه مديرا لإحدى دور السينما. فأخذ صور كواكب السينما التي كانت في مكتبه وفي غرفة نومه.. ووضع بدلا منها صورة كبيرة.. صورة أحد أغنياء الحرب.. رجل ضخم له كرش.. وعلى الكرش سلسلة وله شارب غليظ.. وعلى جبهته خطوط متقاطعة أو معقدة. مكشرا يعني.. وفي الصدر وردة.. وواقف على حيله.. وفي صورة أخرى لهذا الرجل نرى لسانه مطبوعا كأوراق النقد.. لسانه ملون.. وعليه أرقام.. لسانه بوجهين.. وكل الفلوس لها وجهان.. كل شيء مبالغ فيه.. كل كلامه زعيق.. وكل أفكاره صارخة.. حريص دائما على أن يبين الفرق بينه وبين الناس.. يحاول أن يوهم الناس أن هذه «العظمة» لم تأت عفوا.. وإنما جاءت بالعرق والدموع.. وعندما يقول هذه العبارة يتنحنح دائما.. وسبب النحنحة أنه يسمع صوتا داخليا يقول له: أنت فشار.. أو يقول له: يا أبو لمعة! كان مدير السينما هذا يحب السينما ويحب الأفلام.. كان يدخل الأفلام ويجلس في الصفوف الأخيرة.. وكان يدعو إلى الظلام في السينما.. وكانت الأصوات التي تضايقه الآن لها معان أخرى.. فالقبلات في الصفوف الخلفية كان يراها موسيقى الشباب.. وكان يتمنى أن تصنع مقاعد السينما مريحة أكثر وعريضة أكثر وأن يصاب الناس بالعمى، وبذلك يترك كل واحد منهم غيره في حاله.. وأصوات اللب والسوداني كانت في أذنه عبارات صغيرة.. ملذات صغيرة.. وحياتنا كلها أشياء صغيرة.. حياتنا مثل جسم الإنسان عبارة عن ملايين الخلايا الصغيرة.. والجبال هي ذرات صغيرة من الرمل.. وعندما ينقطع النور في السينما يتمنى أن يطول! إنها قصة فرانكشتين مرة أخرى.. هذا الإنسان الضخم.. القوي.. إن الناس يرونه ويفزعون ويهربون.. الطفل يراه فيبكي.. الأم تراه فيغمى عليها.. إن الناس يهربون من شكله البشع.. ولكن هذا الشكل لم يختره ولم يرده.. وفي داخل هذا الوحش طفل طيب مسكين.. دموعه قطع من الحجارة.. وبكاؤه كطلقات المدافع.. إن في داخله صورة مقاس 6X9.. ولكن الناس يرونه في حجم أبو الهول.. إنها قصة المخيف مع أنه خائف.. إنها قصة المرعب المرعوب.. قصة الرجل الطفل.. وفي يوم زرته في مكتبه وعرفت منه أن الطبيب نصحه بالمشي على نظام خاص في الأكل والشرب والسهر.. وتأكدت أنه لن يستمع إلى كلام الدكتور وذلك عندما أشار بيده إلى الصورة إياها المعلقة على الحائط وقال: هذه الصورة هي صورة بالأشعة لأحشائي وأفكاري.. وهذه أول صورة أشعة كاذبة.. صورة مبالغ فيها جدا.. في المرة القادمة ستجد صورة أخرى.. صورة غني بلا حرب!