«الجهادي» المسيحي!

TT

حبس المسلمون أنفاسهم عشية العملية الإرهابية الغادرة بالنرويج خشية أن يكون منفذها مسلما، وبالطبع تنفس المسلمون الصعداء بعد الكشف عن هوية مرتكبها، وهو إرهابي مسيحي نرويجي. فما حدث بالنرويج جريمة إرهابية لها دلالات، ودروس، ليست للنرويجيين وحدهم، بل للغرب والمسلمين، ولا بد من التوقف عند بعضها. أول تلك الدروس أن سمة التطرف والأصولية، هي الغدر. فالتطرف الإرهابي لا يستهدف إلا «الأهداف السهلة»، ولذا نجد أن الإرهابيين، ومن كل ملة، وبمختلف الدوافع، يستهدفون الأبرياء بالمباني، والطائرات، والقطارات، والأسواق التجارية والمدارس، وذلك لإيقاع أكبر قدر ممكن من الضحايا، وبث الذعر. فالمتطرف إنسان عاجز عن الحوار، وإقناع الآخرين بأفكاره، ولا يستطيع بالطبع تقبل الآخر، أيا كان، وهذه هي الحقيقة، وبكل الأديان. وغدر التطرف والإرهاب أمر رأيناه بعدة حوادث مختلفة، سواء التي يقف خلفها إرهاب الدولة, أو حتى أفراد، أو منظمات، وهو ما حدث بعملية بث الغاز السام باليابان، أو بحوادث فردية أخرى بأميركا، مثل تفجيرات أوكلاهوما سيتي في 1995، وكذلك العملية الإرهابية بمومباي في الهند، وقبلها أحداث سبتمبر (أيلول) التي قامت بها «القاعدة» بأميركا، وغيرها بالسعودية والعراق، وجل دول العالم، وحتى عملية لوكيربي التي تمثل إرهاب الدولة.

والدرس الآخر من حادثة النرويج أنه رسالة للجميع مفادها أن الإرهاب لا يزال الخطر الرئيسي على الدول والأفراد، فمتطرف النرويج وحده استطاع بارتداء بزة عسكرية مزيفة خداع الجميع وقتل قرابة 93 إنسانا، كما لا بد أن نتنبه، وبعد معرفة هوية إرهابي النرويج، أن ليس كل الإرهابيين إسلاميين، مما يعني أن على الغرب التوقف عن ترسيخ الصور النمطية السلبية عن الإسلام والمسلمين، كما أن على العرب والمسلمين أيضا الكف عن تمثيل دور الضحية، وتبرير جرائم بعض أبنائهم بالإنكار أو التبرير بالقول إن الأحداث السياسية في المنطقة، بكافة أنواعها، هي ما يغذي الإرهاب، فهذه أعذار، وإن كان بها جانب من الصحة، إلا أنها تكشف عن خلل ثقافي، وتعليمي، وتشوه بالمفاهيم الدينية، مما يؤدي إلى سهولة تقبل شبابنا للفكر المتطرف، واللجوء للعنف، وإراقة الدماء.

فمتطرف النرويج «الجهادي المسيحي» لم يرتكب ما ارتكبه من مجزرة لأن بلاده عضو بالناتو، وتشارك عسكريا بأفغانستان وليبيا، بل هو متطرف حتى ضد المسلمين، ولديه وجهات نظر متطرفة ضد بلاده كلها، فهل يمكن تبرير فعلته البشعة؟ بالطبع لا، وهذا ما يجب التنبه له، أيا كانت ديانتنا، فلا بد من نبذ التطرف، سواء كان فعلا أو قولا أو تحريضا؛ فتبرير الإرهاب جريمة لا تقل عن الإرهاب نفسه، وما يحسب للغرب، دولا وإعلاما، أنه سارع لإدانة جريمة النرويج حتى قبل انتهائها، بينما نلاحظ اليوم من يبرر للإرهاب والإرهابيين بيننا، تحت ذرائع مختلفة، وأبسط مثال ردود فعل البعض، من مدعي الإصلاح والحقوق، حول محاكمة خلية جدة الإرهابية بالسعودية رغم أن المحاكمة لم تنته للأسف!

وعليه فمثلما نقول أن لا دين للإرهاب، فيجب أن نقول إنه لا تعاطف معه ولا تبرير أيضا، أيا كان مرتكبوه، أو ديانتهم، أو دوافعهم، لأننا جميعا، بكل مللنا، بتنا ضحاياه.

[email protected]