إرهاب أشقر بعيون زرق!

TT

لم تكَد السطور تنتهي على الخبر الأولي لمذبحة النرويج المرعبة، التي أودت بحياة 93 شخصا في بلد وديع ومسالم إلا وكانت وكالات الأنباء والصحف والتلفزيونات تشير إلى «احتمالات» أن يكون خلف المذبحة جماعات إسلامية متشددة، وبدأت في وضع الأرضية لهذه القصة، ولكن تبين بسرعة كبيرة أن الذي يقف وراء هذه المذبحة المرعبة هو شاب نرويجي اسمه بيرنغ بريفيك، يبلغ من العمر 32 عاما، أشقر الملامح وأصولي مسيحي متشدد يفتخر بانتمائه إلى اليمين المسيحي الأصولي المتعصب، وبحسب ما ورد في كتاباته التي أعلن عنها لاحقا، فهو يتمنى أن يخلد كأكبر وحشي نازي في التاريخ منذ الانتهاء من الحرب العالمية الثانية، وفي آخر كتابة له على خدمة «تويتر» التفاعلية كتب: «إن إنسانا واحدا مؤمنا خير من جيش بمائة ألف شخص»، وهذه الواقعة تكشف ما كان معروفا، وهو أن الأصولية تمتد وتنتشر لأسباب مختلفة، ولديها جيوب ومواقع في شتى أنحاء العالم. للكاتب الفرنسي المعروف جيل كيبل كتاب مهم ومعروف بعنوان «انتقام الرب»، يقول فيه إن نهاية حقبة السبعينات الميلادية من القرن الماضي شهدت ثلاثة أحداث محورية ساهمت في تكوين الأصولية المتشددة اليوم، ففي عام 1977 وصل مناحم بيغن إلى الحكم في إسرائيل كأول رئيس حزب ديني أصولي يستمد توجهاته السياسية من التوراة والتلمود وتعاليم الحاخامات، وفي عام 1978 وصل البابا يوحنا بولس إلى سدة الفاتيكان كأول بابا غير إيطالي من دول أوروبا الشرقية الموجودة تحت الاحتلال والتأثير السوفياتي، وفي عام 1979 قامت الثورة في إيران على الشاه وجاءت بنظام الملالي الصارم. ولحقت هذه الأحداث تبعيات خطيرة جدا تم توظيف الدين فيها.

فبيغن غزا لبنان بحجة تحرير الجليل كأرض توراتية، واستخدم كل «الحيل» الدينية لتأجيج مشاعر شعبه، والبابا تحالف مع رونالد ريغان، الرئيس الأميركي المحافظ الذي كان يرغب في إسقاط إمبراطورية الشر السوفياتية، والبابا كانت لديه رغبة في تحرير بلاده بولندا، ونجحا في ذلك، والخميني وظف نفسه وسلطته في حربه ضد العراق وتصدير الثورة بكل الطرق عبر صكوك الغفران وغيرها من الأساليب. واليهودية زادت شراسة وولدت منظمات وأحزابا شرسة، مثل منظمة الدفاع اليهودي وحزب شاس و«كلنا إسرائيل»، وخرجت أسماء إرهابية بامتياز مثل مائير كاهانا وباروخ غولد شتاين وغيرهما والانتصار البابوي في أوروبا، وزيادة هجرة المسلمين والأفارقة إلى القارة العجوز ولدت إحساسا بالخوف ورد الفعل المضاد العنيف، وولدت منظمات أصولية نازية مسيحية شديدة التطرف وصلت لمقاعد البرلمان وقامت بحرق منازل ومحال وسيارات الأقليات، وطبعا وصلت للحكم في حالات أخرى بالغرب، مثل جورج بوش الابن المعروف بتوجهاته الأصولية المسيحية المتطرفة، وطبعا إسلاميا انتشرت المنظمات ذات اليمين وذات الشمال، والكثير منها عرف بالتشدد والغلظة والتنطع والإرهاب، وتركوا دماء وبصمات على جرائمهم في بلادهم قبل أعدائهم، وأذكى ذلك إعلام موجه، ولعل من أهم شخصياته كان روبرت مردوخ، الذي تم تداول اسمه في الأخبار مؤخرا نتاج فضيحة التنصت والتلصص من قبل صحفه بحق الساسة والمواطنين. فمردوخ كان يؤجج المشاعر الأصولية على الأصولية المضادة، ويوظف صحفه وإعلامه مثل «فوكس نيوز» و«وول ستريت جورنال» و«التايمز» و«نيويورك بوست» لأجل الحصول على مواقف سياسية معينة تخدم مصالحه كما اتضح، وتزيد من مشاهدته وقراءته وبالتالي تأثيره، وهو ما حصل. الأصولية خرجت من القمقم ووصلت لأكثر الدول وداعة وحضارة، وهي لم تقتصر فقط على الأديان السماوية الثلاثة، ولكنها موجودة في الهند مع الهندوسية أيضا، وهناك شواهد كبيرة على تورط رجال أعمال وأحزاب سياسية في أعمال إرهابية هناك، مما أدى إلى عدم انتخاب الحزب الهندوسي الوطني مجددا. الإرهاب يطل على العالم هذه المرة بوجه أبيض وشعر أشقر وعيون زرق ويتحدث النرويجية، ولكنه نفس الخطر، وأتعجب للآن تتحفظ وسائل الإعلام الغربية من استخدام كلمة «إرهاب» لوصف ما حدث، وكلمة «إرهابي» لوصف القاتل؟

[email protected]