طالبان النروج

TT

عندما وقعت انفجارات النروج كنت أشاهد برنامجا عن طالبان. طبعا بامتعاض ويأس من الحالة البشرية. قوم متخلفون في جبال معزولة يزرعون الأفيون، يعيشون من تجارة المخدرات وتهريب السلاح ويتبعون حلا واحدا: تحليل القتل كوسيلة للحياة. صحيح أن الإنسان يعيش محاربا وقاتلا منذ ظهوره، لكن الصحيح أيضا أن لا دوام في التاريخ للقوة والعنف. لا إمبراطوريات بقيت ولا جيوش استمرت. ومهما كانت حدود العنف أو أشكاله، فهي محكومة بالهزيمة. ولو بعد حين: التجربة الأميركية في فيتنام وكمبوديا، والتجربة السوفياتية في أفغانستان.

يكون العنف متوقعا في مجتمع مثل المجتمع الطالباني، حيث القاعدة هي الموت والقتل. لكن عندما يظهر في بلد جغرافيته الهدوء والسلم مثل النروج، يصير قبيحا أكثر من قباحته المألوفة. العنف، في هذه الحال، ترف إجرامي عدمي، أكثر ظلامية من عنف العجزة غير القادرين على القيام بأي شيء سوى تفجير أنفسهم وتفجير الآخرين، ثم اعتبار ذلك طريقا إلى الكرامة الأرضية والجنة السماوية.

تذكرنا كارثة النروج بأن العنف في الغرب لا يزال قائما في النفوس وفي الطباع. ولا تبعد الحرب العالمية الثانية عنا أكثر من ستة عقود. اقرأ في كتاب «نابولي 1944» عن مذكرات موظف مخابرات بريطاني (نورمان لويس) في جنوب إيطاليا ذلك العام. لا أعتقد أن ملحمة بشرية تفوق هذه الصفحات القليلة، ولا أعتقد أيضا أن رائعة تولستوي «الحرب والسلم»، كانت أكثر تعبيرا عن مدى انحطاط البشر. لقد ترك المغفل الفارغ موسوليني شعبه فريسة الجيوش الحليفة والمعادية وفريسة المجاعة والذل. يروي كيف اصطفت نساء نابولي في الساحات عارضات أنفسهن على الجنود، لقاء علبة سردين. وكيف جاءت امرأة من النبيلات مع شقيقها، تطلب عملا في ماخور للعسكر. وكيف أرسل أب ابنته ومعها رسالة تعرض نفسها على المؤلف لقاء وجبة واحدة في اليوم. وكيف تحولت المدينة إلى وشاة وتجار سوق سوداء وبشر بلا أي كرامة أو أي مشاعر إنسانية.

لا يفزع طالبان كثيرا في جبال أفغانستان، أما قتلة النروج، فأمر بشع. هذا يعني أن بعض أوروبا عائد إلى فظاعات القرون الماضية. كلما كان الرجل أكثر بياضا كان أكثر وحشية وخلوا من كل رأفة. تلك هي صورة النرويجي القاتل علنا والأوروبي المختبئ في صورة أبشع أنواع العنف.