فوضى مردوخ تزيد حياة ديفيد كاميرون تعقيدا

TT

لندن - بدأ أهم اختبار يواجهه ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطاني، أمام الشعب بعودته على عجل من رحلته التي صاحب فيها البعثة التجارية الأفريقية. وناقش فريق العمل الخاص به إلغاء الرحلة تماما، لكنه رأى أن ذلك من شأنه أن يعطي انطباعا بالـ«حصار». لكن كانت المخاطرة الأكبر في الظهور بمظهر الانعزال عن فضيحة التنصت التي تورطت فيها صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد». لذا قطع كاميرون زيارته وعمل على كتابة بيان وهو على متن طائرته العائدة إلى لندن ليلقيه أمام البرلمان، ووصل في وقت متأخر من ليل الثلاثاء الماضي. وبدأ في مناقشة أسئلة مستشاريه في السابعة والنصف من صباح اليوم التالي. وبدأ خطابه أمام البرلمان قبل الظهيرة، وأخيرا خصص 163 دقيقة للإجابة عن أسئلة 136 نائبا من نواب البرلمان.

لقد كان استجوابا قاسيا لم يكن ليوافق عليه أي رئيس أميركي. وكان يشبه خطابا مشتركا وتحقيقا من الكونغرس معا في وقت واحد. لكن اتسم أداء كاميرون بالثقة ومزيج ناجح من الندم والتحدي.

لا يريد أي رئيس وزراء، حتى وإن لم تكن لديه علاقة مباشرة بالموضوع، أن يتورط في فضيحة لها علاقة بروبرت مردوخ. في ظل كل تلك الملابسات والأحداث من استقالة رئيس الشرطة البريطانية ورسائل البريد الصوتي لفتاة مراهقة والوفاة المفاجئة لمفجر الفضيحة والقبض على رئيس تحرير الصحيفة ودعوى قضائية أقامها غود لو، لا يمكن لأي حكومة أن ترد قائلة «استمروا في طريقكم، لا يوجد ما يسترعي الانتباه».

لكن دور كاميرون في هذه الفوضى غير ذي صلة، فهذه فضيحة داخل إمبراطورية مردوخ الإعلامية والتي تتضمن الفساد والقبح المنهجي لصحيفة صفراء، والذي ساعد عليه محررون غير مبالين أو متواطئون، والذين ربما حاولوا تغطية ممارسات خاطئة.

لقد أصبحت فضيحة كبيرة للشرطة البريطانية تضمنت تقاضي رشاوى وتسريبات إعلامية. يتمثل تورط كاميرون المباشر في هذا الأمر في تعيينه لأندرو كولسون، رئيس التحرير السابق لصحيفة «نيوز أوف ذي وورلد»، كمدير الاتصالات الخاص به لفترة قصيرة. واستقال كولسون من رئاسة تحرير الصحيفة عندما تم اتهام أحد الصحافيين بالقرصنة. بدت تلك الحادثة آنذاك مجرد حادثة فردية، لذا منح كاميرون كولسون فرصة أخرى. وأكد كولسون قبل تعيينه أنه لا توجد فضيحة أكبر. أخبرني مستشارو رئيس الوزراء أنه محمي بدرع من العناية اللازمة. إذا كان كولسون قد كذب من أجل الحفاظ على وظيفته في الحكومة، فقد كذب أيضا على محققي الشرطة والبرلمان في فضيحة التنصت.

المشكلة السياسية الأساسية التي يواجهها كاميرون هي إبداؤه للارتياح في التعامل مع المسؤولين التنفيذيين في صحيفة «نيوز إنترناشيونال» الذين شكلوا جزءا من الدائرة الاجتماعية المحيطة به. هذا الجدل دقيق، لكنه ليس بالضرورة مطمئنا، حيث كان رئيسا الوزراء السابقان توني بلير وغوردن براون يبدوان أكثر راحة في التعامل مع رجال مردوخ.

يدل كل هذا على المهارة التي تمتع بها مردوخ في الانخراط في السياسة البريطانية. هناك صحف أخرى تحت إمرة حزب أو آخر. تمثل صحف مردوخ وسائل الإعلام للصوت المتأرجح. لذا يغازل سياسيون بريطانيون مسؤولي «نيوز إنترناشيونال» لأن دعمها يمكن أن يوجه إلى أي اتجاه.

يبدو أن مستشاري كاميرون قد أدركوا المخاطر التي تكمن في الارتباط بالفضيحة الحالية على المدى البعيد، حيث أصيب الرأي العام البريطاني بالفزع، وكان كذلك لفترة من الزمن. وقبل انتخاب كاميرون كرئيس وزراء بريطانيا العام الماضي، وافق 7 من كل عشرة بريطانيين على البيان. دائما ما يخسر الذين يلعبون بحسب القواعد. ويعتقد البريطانيون بوجه عام أن كلا من المصرفيين ومسيئي استغلال الرخاء يحصلون على كل الإعفاءات. أدى هذا الإحباط إلى فقدان الثقة في السياسيين والتوجه طويل المدى نحو الأحزاب الهامشية التي حصلت على نحو 10 في المائة من الأصوات خلال الانتخابات الأخيرة وهو رقم يعد الأعلى في تاريخها.

منذ أن تولى كاميرون منصب رئيس الوزراء، عمل على خفض الميزانية بشكل كبير لم يسبقه أحد فيه من قبل، وكذلك جمّد أجور موظفي القطاع العام وزاد من مصاريف التعليم وكذا ضريبة القيمة المضافة، في الوقت الذي يحاول فيه إقناع أكثر البريطانيين بأن سياسة التقشف ليست خيارا بل ضرورة. وساعدت الأزمة الاقتصادية في الدول الأوروبية خاصة اليونان في مهمة الإقناع. وقال أندرو كوبر، كبير المخططين الاستراتيجيين لكاميرون «نعالج العجز ونتخذ قرارات صعبة تهيمن على كل شيء. لكن إلى أين سيقودنا هذا؟ إلى الخراب. إن خفض الميزانية ليس خيارا، بل ضرورة لا غنى عنها. لكن الخفض ليس هو الهدف، بل بناء مجتمع فرص قوي وبلد متفائل».

لا تساعد أجندة التقشف كثيرا في معالجة المخاوف البريطانية حول الظلم الكبير في المجتمع. وقد اعتزم كاميرون التأكيد خلال الخريف المقبل على سياسات التعليم والرخاء والتي من شأنها تحسين استخدام أموال دافعي الضرائب. لكن فضيحة النخبة في أوساط السياسة والإعلام والشرطة بقيمها غير الثابتة تعقد هذه الرسالة وتعزز مظهر نظام جاهز ويقوض استعادة التفاؤل.

* خدمة «واشنطن بوست»