حبيبتي التي لم أستطع تقبيلها

TT

قد يستهجن البعض هذا الموضوع الذي اخترته اليوم للكتابة عنه، ومعهم كامل الحق لو استهجنوه ولاموني عليه، ويا ليتهم يتوقفون الآن عن قراءته نهائيا، لأنني والحالة كذلك إنما أكتب لنفسي عن (عضو) يخصني، وأحمل له إعجابا واحتراما كبيرا، وهذا العضو الأثير عندي هو (قدمي) العزيزة لا غيرها.

وكيف لا وهي التي حملتني طوال حياتي، غير حافلة، وسارت بي أينما توجهت؟! وما أكثر ما ركضت، وما أكثر ما لعبت، وما أكثر ما قفزت، وما أكثر ما تعثرت، وما أكثر ما داست على الشوك، وما أكثر ما دلفت بي من خلال أبواب الغرام (بأنصاص) الليالي كأي (حرامي)، وما أكثر ما (جعصت) ووضعت بكل كبرياء رجلا فوق رجل، وما أكثر ما غاصت بالوحل إلى حد الركب.

والذي دعاني لذكرها الآن هو ما سمعته من طبيب مختص عن قيمها التي لا تضاهى، ومنها على سبيل المثال أنها توفر علينا خمسين علة وعلة طالما أننا اهتممنا بها وأوليناها عنايتنا، وهي قد تتعرض للكثير من الأمراض إذا أهملناها، فهي قد تتعرض لما يسمى بمسمار القدم، والبثرة، والظفر النامي، والثألول، والتواء المفصل، والعدوى الفطرية، وتصلب الجلد.

وعرفت من الطبيب كذلك أنها تستطيع بالمتوسط أن تسير بنا (105000) كيلومتر طوال حياتنا - أي ما يعادل السير حول الكرة الأرضية مرتين ونصفا - ومن كثرة مديحه لها خلتها بنتا من بناته.

لهذا كبرت هي في عيني أكثر، وأصبحت لا أستغني عنها أبدا، وأطرح عليها السلام صباحا ومساء، وأول ما أبدأ بالاستحمام أبدأ بها هي قبل رأسي، وأدعكها، وأعطرها، بل قد وصل بي الحال إلى أن أغار عليها، وغدوت أضعها على المخدة كل ليلة وأسمي عليها من العين والحسد، وبالأمس القريب راودتني نفسي على تقبيلها ورفعتها و(شقلتها) إلى فوق ولويت ظهري الذي كاد ينكسر للوصول إليها، ولكنني للأسف لم أطلها فأحسست بالحرمان والحسرة المريرة، وقلت بيني وبين نفسي إن المطرب الراحل محمد رشدي كان صادقا عندما هام غراما بقدم حبيبته (المتحنية) عندما غنى لها قائلا:

كعب الغزال يا متحني بدم الغزال ما تبطل تمشي بحنية ليقوم زلزال

وتحضرني الآن حادثة بدوية، وكلنا (بدو الله) - على وزن (كلنا عبيد الله) - فيحكى أن بدويا هام حبا بإحدى الفتيات، وبينما كان مرتحلا مع بعض أصحابه، لمح أثر قدم حبيبته مرسوما على الرمل، فما كان منه إلا أن قفز من على ظهر ناقته وقبل الأثر كأي عاشق مجنون، وبلغ الخبر فيما بعد لشقيق الفتاة، فحلف وأقسم ليقطعن خشم ذلك الفتى على فعلته، حاول البعض ثنيه غير أنه رفض ذلك، وعندما علم شيخ القبيلة استدعاهما وسألهما إن كانا يقبلان حكمه فوافقا، عندها استل سيفه وأعطاه للشقيق، وأمسك بشعر رأس العاشق وجره إلى خارج الخيمة تحت أشعة الشمس، فانعكست ظلال وجهه على الأرض، فقال للشقيق: دونك ظل خشمه فاقطعه بالسيف مثلما قبل هو أثر قدم أختك، وهذا ما حصل، عندها قال لهما: هيا تعانقا، فرفض الفتى العاشق أن يعانقه إلا إذا وافق الشقيق أن يزوجه أخته على سنة الله ورسوله، وتم له ما أراد.

وقد قال الفتى لأصحابه فيما بعد، لقد همت غراما بقدم البنت قبل أن أراها، وقبلت أثرها قبل أن أقبل فاها.

ويقول الشاعر الشعبي:

والرجل وإن شطت لياليك سجها عسى تواليها تبشر بالإفراج (*)

(*) شطت: بعدت وتصعبت.

سجها: قدها وأرغمها وحثها على المسير.

[email protected]