أكثر الأيام إذلالا في حياة مردوخ

TT

جاء أكثر الأيام إذلالا في حياة روبرت مردوخ يوم الثلاثاء الماضي في البرلمان، لدى مثوله أمام لجنة استماع برلمانية في 19 يوليو (تموز) لشرح كيف بدأت عملية التنصت على الهواتف التي انتهجتها الصحف البريطانية التي يملكها.

والأكثر أهمية من ذلك هو السبب الذي أدى بشركته لدفع رشوة قيمتها 100000 جنيه إسترليني لرجال الشرطة. حينها، طرح عليه هو وابنه أسئلة عويصة جدا. وكانت زوجته الجميلة صينية الأصل تجلس وراءه، ربما لتجميل المشهد أو حماية زوجها.

في البداية، تفحصت زجاجة المياه! فربما أراد شخص ما تسميم زوجها. وحينما حاول أحد الأشخاص الاعتداء على مردوخ، اتخذت رد فعل سريعا. وقال مردوخ إن هذا اليوم كان أكثر الأيام إذلالا في حياته. أريد هنا التركيز على قول مردوخ.

حينما مثل روبرت مردوخ (صانع الملوك في المملكة المتحدة وإمبراطور الإعلام) أمام لجنة استماع من أعضاء البرلمان، تذكرت دوره السياسي والاجتماعي البارز. ورد اسم روبرت مردوخ ثلاث مرات في قائمة الـ«تايم 100» للأفراد الأكثر تأثيرا في العالم. وهو يحتل المرتبة الثالثة عشرة في قائمة «فوربس 2010» للأفراد الأكثر نفوذا في العالم. وبامتلاكه ثروة يبلغ صافي قيمتها 6.3 مليار دولار، يحتل المرتبة 117 في قائمة أغنى أغنياء العالم. دخل مردوخ العام الماضي «10 داونينغ ستريت»، مقر رئاسة الحكومة البريطانية، من الباب الخلفي! وقام بتنظيم رحلة بطائرة خاصة لديفيد كاميرون. ويبدو أن العلاقة بين أسرة مردوخ وكبار الساسة البريطانيين عميقة وقوية جدا. على سبيل المثال، عندما تم تعيين ربيكا بروكس رئيسة تنفيذية لـ«نيوز إنترناشيونال»، حضر كل من غوردن براون، الذي كان رئيس الوزراء وقتها، وديفيد كاميرون، منافسه الرئيسي في ذلك الوقت، حفل زفاف ربيكا. علاوة على ذلك، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، دعي كاميرون وزوجته لتناول الغداء في منزل بروكس في أكسفوردشاير، في الوقت الذي حضر فيه كولسن وجيمس مردوخ أيضا! هذه المعلومات متاحة في مجلة الـ«تايم» (25 يوليو) ومجلة «الإيكونوميست» (16 يوليو).

كذلك، حينما حاول كاميرون تبرئة نفسه، كان من المدهش قوله: «يمكنني أن أخبرك بأني لم أقم مطلقا بحفل رقاد أو أرى السيدة بروكس في بيجامتها!». أعتقد أنه كانت هناك علاقة قوية بين أسرة مردوخ والساسة البارزين في بريطانيا، أو الساسة بمختلف أنحاء العالم، وربما تكون هذه العلاقة ما زالت قائمة الآن.

القصة تشتمل على جانب غاية في الأهمية، وهو دور الشرطة الملكية في تلك الحالة. بعبارة أخرى، الأزمة الأخيرة فيها ثلاثة أقطاب ممثلين في الساسة البارزين وأسرة مردوخ والشرطة الملكية.

ولحسن الحظ، نشر مجلس العموم ولجنة الشؤون الداخلية تقريرا شديد الأهمية والثراء عن الأزمة في 19 يوليو. ويعرض هذا التقرير جذور قصة تعود إلى عشر سنوات مضت! وعنوان التقرير هو: التنصت غير المصرح به على الاتصالات الهاتفية.

واقتبست ثلاث فقرات من التقرير:

منذ أن بدأنا تحقيقاتنا، وقعت الأحداث التالية: في 12 نوفمبر (تشرين الثاني) 2010، عقب إجراء مقابلة مع المحرر السابق شون هور وآخرين، ذكرت الشرطة الملكية أنها قد اكتشفت مزيدا من المواد عن عملية التنصت، وسلمت ملف الأدلة إلى خدمة النيابة العامة الملكية للنظر فيما إذا كانت هناك أدلة قوية كافية لتوجيه تهم جنائية. وقرر رئيس قسم الجريمة الخاصة التابع لخدمة النيابة العامة الملكية، سيمون كليمنتس، في 10 ديسمبر (كانون الأول) 2010 عدم وجود أدلة مقبولة تدفع لتوجيه مزيد من التهم الجنائية، مثلما رفض الشهود الذين أجريت مقابلات معهم التعليق، وأنكروا أي معلومات تفيد بوجود ممارسات خاطئة، أو أدلوا ببيانات عديمة القيمة.

وعلى الرغم من ذلك، فإنه في 5 يناير (كانون الثاني) 2011، أقالت صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» أيان إدموندسون من وظيفته كمحرر مساعد، بعد اتهامات بتورطه في التنصت على هاتف سيينا ميلر، وقد وجد محامو ميلر مذكرات بين الوثائق التي نشرتها الشرطة.

بعدها، كتبت الشرطة الملكية إلى «نيوز إنترناشيونال» تطلب منها إمدادها بأي مواد جديدة ربما توفرت لديها عقب وقف إصدار «نيوز أوف ذي وورلد». وفتح تيم غودوين، القائم بأعمال قائد الشرطة، تحقيقا جديدا، ترأسته نائبة مساعد مفوض شرطة العاصمة، سو أكيرز.

وواصلت وسائل الإعلام متابعة قضية عمليات التنصت التي تمت من قبل أشخاص عملوا بشركة «نيوز إنترناشيونال»، في الفترة من 2003 - 2006، و(بالتبعية) قبل وبعد تلك الفترة. وفي 5 أبريل (نيسان) 2011، تم إلقاء القبض على كل من إدموندسون ونيفيل ثيرلبيك، كبير المحررين بصحيفة «نيوز أوف ذي وورلد»، بتهمة التآمر للتنصت على مكالمات هاتفية (بما يخالف المادة 1 «1» من قانون العدالة الجنائية لعام 1977) ورسائل بريد صوتي (بما يخالف المادة 1 من قانون تنظيم صلاحيات التحقيق لعام 2000). وقد أفرج عنهما لاحقا من دون اتهام بكفالة حتى سبتمبر (أيلول) 2011. وقد تم إلقاء القبض على آخرين منذ ذلك الوقت (منهم محرر لدى «برس أسوسيشن»). واستمرت تحقيقات الشرطة الجديدة تحت رئاسة نائبة مساعد مفوض شرطة العاصمة، سو أكيرز.

وقد أخذت القصة منعطفات جديدة عندما أعلنت وسائل الإعلام عن توجيه اتهامات إلى مولكير بالتنصت على هاتف ميلي دولر، التي راحت ضحية جريمة قتل في سن 13 عاما في عام 2002، وكذلك هواتف أسرتها وأصدقائها. وقد كانت هناك ادعاءات بأن هواتف أسر ضحايا جرائم سوهام قد تم اختراقها في عام 2002، كما تم بالمثل اختراق هواتف ضحايا تفجيرات 7 يوليو في لندن في 2005.

وأيدت الآراء بقوة في اجتماع طارئ عقد بمجلس العموم في 6 يوليو إجراء تحقيق عام في اتهامات التنصت على الهواتف المنسوبة إلى صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد»، وأسلوب عمل الشرطة الملكية في الفترة ما بين 2006 و2011. وأشار رئيس الوزراء إلى أن الحكومة وافقت من حيث المبدأ على إجراء تحقيق عام مؤلف من مرحلتين، الذي من شأنه أن ينظر في نهج وسائل الإعلام بشكل عام وتاريخ تحقيقات الشرطة من 2005 فصاعدا.

بالتبعية، تم الإعلان عن شروط المرجعية، تماما مثلما تم الإعلان عن حقيقة أن القاضي ليفسون سيرأس التحقيقات. وقد كان هناك خلاف في البداية حول ما إذا كان من الممكن أن يبدأ تحقيق عام أو تحقيق يترأسه قاض بمجرد الانتهاء من تحقيقات الشرطة، أو من النظر في أي دعاوى أخرى لاحقة. وقد أيد أعضاء البرلمان بقوة ضرورة بدء التحقيقات مباشرة، بحيث يتسنى للقاضي الذي يرأسها أن يؤمن على الفور أي أدلة يحصل عليها.

يبدو لي في تلك الحالة أن الحلقة المفقودة هي الحرية والديمقراطية! كتب زميلي عادل درويش مقالا في صحيفة «الشرق الأوسط» في يوم 16 يوليو، أوضح فيه أن «فشل مردوخ هو فشل للديمقراطية!».

إنه من الصعب جدا قبول مردوخ كأيقونة للديمقراطية. في حقيقة الأمر، حينما قدم مردوخ وابنه الاعتذار، وبعدما قال مردوخ: «كان هذا اليوم أكثر الأيام إذلالا في حياتي»، كان ذلك انتصارا للديمقراطية. إن احترام خصوصية الآخرين إحدى أهم ركائز الديمقراطية. دائما ما ستكون حرية الإعلام، التي لا تحترم القيم، غير مكتملة. أيدت المناقشات في اللجنة ومجلس العموم، وكان من الواضح أن ثقة الشعب في وسائل الإعلام والشرطة باتت الموضوع الأساسي في بريطانيا. ولسوء الحظ، هناك بعض من أمثال مردوخ في كثير من الدول العربية والإسلامية. إن لديهم أسرا ثرية وقوات أمن وإمبراطوريات إعلامية، ولكن لا أحد يستجوبهم في البرلمان. ترى متى سنشهد أكثر الأيام إذلالا في حياة نظراء مردوخ في دول الشرق؟