مؤامرة أم أوهام؟

TT

لست من هواة المؤامرات، لا في تدبيرها، ولا في تنفيذها، ولا في الإيمان بها؛ بيد أن مؤامرة أو شبح مؤامرة أخذ يستهويني بعض الشيء، فلعله يحل لي لغز هذا السؤال: كيف نفسر هذا الإخفاق الذي منيت به الولايات المتحدة في إدارة العراق والنهوض به؟

يقول أصحاب هذه المؤامرة إن الفوضى التي جابهت الأميركان في العراق أوحت لهم بعد فشلهم في تحويل العراق إلى جنة يتباهون بها ويجعلونها رمزا لتصدير الديمقراطية العلمانية.. أوحت لهم بأن يحولوها إلى فخ للثورة الإسلامية ومقبرة للإسلام المتطرف الإرهابي. ما من هم يقض مضاجع الغرب الآن ويشغل بالهم أكثر من الإسلام المتطرف. هكذا فتحوا الباب للتوغل الإيراني في العراق واندلاع التطرف الطائفي والفساد المالي فيه، ومن وراء كل ذلك، الفشل في تحقيق أبسط لوازم المجتمع الأساسية كالكهرباء والماء والتليفون. لقد تعرضت مؤسسات هذه العناصر للقصف خلال حرب الخليج الأولى واستطاع نظام صدام حسين إصلاحها وإعادتها إلى سابق عهدها تقريبا خلال أشهر قليلة رغم كل ضغوط الحصار الذي ضرب على البلد.

لماذا عجزت الإدارة العراقية ومن ورائها الهيمنة الأميركية على البلد عن تحقيق مثل ذلك رغم مرور ثمانية أعوام على تسلمها مصير العراق ورغم كل الجبروت الأميركي وكل الإمكانات الأميركية وتوفر عشرات المليارات من الدولارات في اليد؟ هذا شيء لا يمكن تصديقه، ولا سبيل لتفسيره بغير فكرة هذه المؤامرة. إنهم، أي الأميركان، عازمون على عرض فشل الإسلام السياسي وعجز الثورة الإسلامية عن تأمين أبسط مستلزمات الحياة المعاصرة أو منع الفساد الإداري أو قمع الإرهاب وحماية المواطنين في أرواحهم وممتلكاتهم.. وفي الوقت عينه، سيغسلون أذهان الجمهور، بفعل هذا الفشل، من التعلق بأذيال إيران كحليف يعتد به ومخلص من كل مشكلاتهم.

ليس ذلك فقط - يقول أصحاب هذا التنظير - بل سيستنزفون الخزينة الإيرانية ويتضح للشعب الإيراني أن ما أنفقته حكومتهم من أموال باهظة في الجري وراء الأحلام الإمبراطورية والتوسع المذهبي قد ذهبت أدراج الرياح.. وفي آخر المطاف، يزحف الربيع العربي شرقا بانتفاضة مشابهة في طهران، ولكن غارقة بالدماء.

والسؤال الآن: هل فكرت المخابرات الأميركية والإدارة الأميركية في كل أبعاد هذه المؤامرة حقا، أم هي يا ترى قصيدة شعرية أخرى من خيال خصب اعتدنا عليه في بيوتنا ومقاهينا؟ لكنها على أي حال تفسر هذا العجز والتخبط الذي ابتلي به العراقيون منذ سقوط صدام حسين. لك يا سيدي القارئ أن تصدق بها أو ترمي بها في سلة المؤامرات المهملة.