الأسد: فشل الإصلاح الموعود

TT

الأرجح أن للانتكاسة التي أصابت سوريا، بعد ثلاث سنوات على قرارات ووعود الرئيس السوري بشار الأسد الإصلاحية، أسبابا خفية، شخصيا أرجح أن خلفها دخول الأمن على خط القرار السياسي. فقد صار الرئيس بالغ الحساسية حيال ما يقال عنه في الغرف المغلقة، وقد عبر عن خيبة أمله بقوله إنه اكتشف أن هؤلاء ليسوا معارضين صادقين ويدري عن ماذا يتحدثون. لكن أن تدور النميمة والسخرية من السياسيين مع فناجين القهوة في الصالونات الخاصة فهذا أمر طبيعي جدا في كل المجتمعات. حوكم المعارض رياض الترك، الذي سمح له في البداية بممارسة نشاطه السياسي، وكانت الجناية ضده ترويج أنباء كاذبة توهن عزيمة الأمة ونفسيتها، وحكم بسجنه، وبعد نطق الحكم طلب القاضي أن يتناول معه فنجان قهوة! كانت تلك المحاكمة بداية نهاية الانفتاح القصير.

في مطلع رئاسته كنا مستبشرين لأن بشار لم يكن مسؤولا عما جرى في عهد والده، وعمره ودراسته ومظهره، وظهوره في المطاعم بلا حرس مدجج، أشاع مناخا من التفاؤل بأننا أمام سوريا عصرية. بدأ حكمه بزواج فتاة سنية، والدها فواز الأخرس طبيب قلب من طبقة متوسطة، شبه منفي في بريطانيا. كانت الزوجة السنية رسالة مصالحة مشجعة من ابن الطائفة العلوية تؤكد أنه ليس طائفيا. زد عليه أن والدها الذي التقيته في لندن راق لي اندفاعه في نقد النظام القديم مبشرا بأن سوريا مقبلة على عصر جديد. بالفعل، أطلق في الأيام الأولى سراح ستمائة سجين سياسي، وأغلق سجن المزة المروع، وعمت منتديات العاصمة أجواء حرة نسبيا، وإلى نهاية عام 2002 أطلق تسعة مساجين سياسيين، وسميت تلك الفترة بربيع دمشق.

ثم فجأة أطبقت أجهزة الأمن على الحياة وسط إشاعات عن مؤامرة انقلاب من الحرس القديم لم تكن صحيحة، الأرجح أنه كان انقلابا من فوق، مع استمرار التصفيات الداخلية بالعزل والمحاسبة وأحيانا بالانتحار.

وفي خضم أحداث جسام هزت العالم مثل غزو العراق استمر لبنان طبقا رئيسيا في مقابلاتنا. لبنان على الدوام ظل عقدة حكام سوريا. وقد لحظت مرة أحد مساعديه متأبطا كتابا عن تاريخ لبنان، قال مبررا، «يتعين علينا جميعا أن نتثقف في المسألة اللبنانية»! ومرة قال لنا الأسد مبررا اهتمامه، «تاريخيا لبنان كان دائما ممر المؤامرات على سوريا». لسوء حظ المرحوم رفيق الحريري أن الأسد كان قد صنفه كبير المتآمرين.

أظن أن بشار فسر ما يسمع ويرى بأن رجل الأعمال اللبناني هذا يبيت له أمرا. الحريري، هو الآخر، لم يفهم شخصية الرئيس الجديد، فالابن غير أبيه، ينقصه تاريخه وتجربته وولاء رجاله، ولديه مركب من الحساسية الشخصية من صغر عمره، وتوجس من الغير. لا ننسى أنه حتى يرث والده لجأ الأسد الابن إلى تغيير عمر رئيس الجمهورية في الدستور من الأربعين إلى الرابعة والثلاثين. وسمعت أن مقت بشار للحريري سببه ما نما إليه أن الحريري في حديث لصديقه الرئيس الفرنسي جاك شيراك قال له متذمرا، إن «بشار ولد». ما كان الأسد الأب ليبالي بمثل هذه الآراء لأنه رجل استراتيجي التفكير ويستخدم الناس لغاياته، والحريري كان من أدواته الأساسية. أظن أننا تحدثنا عن الحريري في كل المناسبات التي التقيت فيها الأسد الابن. وكان واضحا أنه قد حسم رأيه فيه سلبا، لكن للحقيقة لم نسمع من بشار قط أن تلفظ بلغة بذيئة أو حتى قاسية حيال أي موضوع أو شخص، حافظ على تهذيبه وأدبه حتى في المقابلة الماضية قبل ستة أشهر بعد قطيعة دامت ست سنوات. غدا، قراءتي عن حرب بالوكالة بين الاثنين.

[email protected]