ثوار.. وفلول!

TT

بعد نجاح ثورة 25 يناير (كانون الثاني) بمصر في الإطاحة برأس النظام السابق، انتشر تعبير «فلول النظام السابق» في تفسير من الذي يقف وراء الكثير من الأحداث التي جرت بعد ذلك لعرقلة الثورة وإثارة الفوضى أو التخريب، ولا بد أن هناك تعبيرا محليا مشابها في تونس عن أنصار النظام السابق إذا كانوا لا يزالون موجودين، ولا بد أن مصطلحا مشابها سيخرج في سوريا إذا حدث سيناريو مشابه وأصبح هناك نظام سابق، وكذلك في اليمن.

وهي مسألة طبيعية بعد كل الثورات، وحدثت بعد الثورتين الشهيرتين الفرنسية والبلشفية خاصة اللتين مارستا أقصى العنف ضد «فلولهما»، لكن ذلك كان في القرن الـ18 وأوائل القرن العشرين، وكذلك مع الثورة المصرية في 23 يوليو (تموز) 1952 التي كانت لها تعبيراتها، مثل «النظام البائد» و«فلول الإقطاع».. إلى آخره.

لكن فلول الحاضر غير الماضي التي كانت مؤصلة في التاريخ ولها ثقافتها وراكمت الثروة عبر عقود، أما فلول الحاضر فحقائبها كانت جاهزة للقفز من السفينة التي كانت تعرف أنها في سبيلها للغرق وكونت ثروتها في سنوات قليلة، وكان ولاؤها مصلحيا في المقام الأول تحكمه معايير الاستفادة المالية المخلوطة بالرعب من البطش بها، وقابلة لتغيير بوصلتها في اتجاه أي نظام جديد يحكم.

وبالتالي فإن تحميلها مسؤولية كل ما يحدث من مشاكل في مرحلة ما بعد ذروة الثورة، لا يعكس حقيقة ما يحدث على الأرض، فهي أقل ذكاء من ذلك، وهو في حقيقة الأمر، ارتباك لحظة ما بعد سقوط النظام الذي نراه في الحالة المصرية، وصدام قوى وعقليات تقليدية تعودت على أنماط معينة بقوى جديدة تريد تغييرا شاملا.

وعندما نتحدث عن قوى تقليدية، فإن ذلك لا يعني فقط مؤسسات أو كيانات سياسية واقتصادية سادت في النظام السابق، ولكن أيضا الأحزاب والقوى السياسية القديمة المعارضة، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين القوة الأولى المنظمة سياسيا على الأرض التي شاركت، وإن كانت متأخرة أياما، في الثورة، والأحزاب الرسمية المعارضة الأخرى التي جرفت في المرحلة السابقة، بينما مثلا الجماعة الإسلامية والسلفيون لو وسعنا الإطار الفكري لتعريف الفلول، فيمكن أن ينطبق عليهم، فهم لم يشاركوا أصلا ويحاولون القفز الآن على المشهد بأي شكل.

وأبرز ملامح حالة الارتباك في اللحظة الحالية المشهد الذي أثار قلقا شديدا من صدامات حدثت في ميدان العباسية والفجوة التي بدأت تظهر بين شركاء في الثورة، إذا جاز التعبير، بين حركات سياسية في ميدان التحرير والمجلس العسكري الذي يدير البلاد إلى حين تسليم السلطة لسلطة مدنية، والاتهامات بشكل غير مسبوق منذ 25 يناير.

مؤشرات اتجاه الرأي العام تفيد بأنه يقف حائرا في الوسط، فهناك فجوة بدأت تظهر بينه وبين منظمي الاعتصامات لأنه يريد بعض الاستقرار ورؤية خريطة طريق إلى الأمام، وإن لم يفقد تأييده للثورة، وهو لم تعجبه محاولات قوة سياسية الذهاب في مسيرة إلى وزارة الدفاع، بما يخلقه ذلك من احتكاك وصدام محتمل وخلاف بين شركاء الثورة، باعتبار أن الجيش لعب دورا رئيسيا في حمايتها ونجاحها، وفي الوقت نفسه لم تعجبه اتهامات الارتباط بجهات وأجندات خارجية التي وجهت من جانب عسكريين إلى هذه الحركة.

وإذا أخذنا الجانب الآخر من الصورة القلقة، فسنرى جانبا إيجابيا فيها، وهو أن كل القوى المشتعلة الأعصاب حاليا تتعلم السياسة بعد فترة خواء وتجريف طويلة أدت إلى وضع ثورة بدون قيادات سياسية بارزة مدربة، وهو ما يفتح الباب أمام أخطاء، فباستثناء «الإخوان» كقوة سياسية، ومحمد البرادعي الذي يعتبره البعض ملهم هذه الثورة، تبدو جميع الأطراف الأخرى في حالة تعلم، ولذلك هناك حالة شد حبل بين الجميع، وهذا صحي بشرط عدم قطع الحبل نفسه الذي يجب أن يتسع للجميع، بما في ذلك من يرغب من «الفلول».