رفض المسلمين للإرهاب لا يكفي لوقفه

TT

واشنطن دي سي، في هذا الشهر وفي مهرجان الأفكار في أسبن، أحد أهم وأقيم المنتديات النقاشية في أميركا، سمعت كاتب عمود في «نيويورك تايمز»، توماس فريدمان، يقدّم تفسيرا مألوفا وراء استمرار العمليات الإرهابية، وهو أن «العرب والمسلمين يسمحون بها».

وقد أكد فريدمان أنه: «ما لم يقف المجتمع العربي الإسلامي ضد مشروعية هذا النوع من الهجمات، فلن تتوقف ولن تختفي إلى أن يفعلوا ذلك». إن الفكرة التي تقضي بأن «المجتمعات الإسلامية تساعد في وقوع الإرهاب لأنها لا ترفضه» قد طغت على تيار المناظرات في الولايات المتحدة منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر. ولا عجب في ذلك، فهذه الجدلية بسيطة وحدسية ومغلفة في عبارات وجمل يسهل تداولها. ولكنها جدلية خاطئة. أبحاث «غالوب» على مدار السنوات العشر الماضية حول ما يفكر فيه المسلمون فعلا في أكثر من 50 دولة تهدم الافتراضات الأساسية لهذه الجدلية. ويبين التحليل الدقيق لمئات الآلاف من المقابلات أن العمليات الإرهابية المستوحاة من تنظيم القاعدة تماثل جرائم العنف الأخرى، في أنها تتم على الرغم من معارضة المجتمع لها وتضرره منها.

فلو أن عمليات تنظيم القاعدة الإرهابية كانت نتيجة متنامية لموافقة المجتمع الإسلامي الصامتة على ذلك، كما يقول فريدمان، لتوقعنا دعما أقوى للإرهاب بين المسلمين أكثر منه لدى مجموعات أخرى.

بينما يوضح الدليل العلمي عكس ذلك: فالمسلمون حول العالم أكثر احتمالا في المتوسط من عامة الأميركيين لشجب وإدانة الهجمات على المدنيين بشكل واضح. ووفق ما تبين من استطلاع «غالوب» بهذا الشأن، فإن 6 % من العامة في أميركا يرون أن الهجوم على أهداف مدنية هو شيء «مبرر تماما». ومقارنة بذلك فإن نسبة هذا الرأي في السعودية كانت 4 %، وفي كل من لبنان وإيران توقفت هذه النسبة عند 2 %. ويوضح تقرير لـ«غالوب» سوف يُنشر في 2/8/2011 أن احتمالات رفض مسلمي أميركا لاستهداف المدنيين أكبر من نظرائهم من المجموعات الدينية الرئيسية الأخرى من الأميركيين.

إضافة إلى ذلك، فلو أن المسلمين والعرب يمكنهم بكل بساطة وقف عمليات تنظيم القاعدة الإرهابية فقط برفضها، فإنه من الممكن الافتراض بأن عمليات الإرهاب مستمرة، لأن المسلمين لا يتضررون منها، وأن لديهم اعتبارا قليلا للمستهدفين منهم. ولكن في الحقيقة فإن ضحايا المتطرفين هم أساسا من المسلمين؛ في العراق وأفغانستان والأردن والمغرب وإندونيسيا وباكستان على سبيل المثال. وكما أن حدوث الجرائم العنيفة في مدن الولايات المتحدة لا يشير إلى تقبل الأميركيين الصامت لها، فإن استمرار العمليات الإرهابية ليس دليلا على تقبل المسلمين لها والسماح بها. والعكس بالأحرى هو الصحيح؛ فمعظم المؤامرات الإرهابية المستوحاة من تنظيم القاعدة، التي تم إحباطها في الولايات المتحدة، قد تم إحباطها لأن المسلمين الأميركيين نبهوا السلطات إليها. الافتراض الأخير الذي يدعم فكرة المسؤولية الجماعية للمسلمين عن الإرهاب هو أن العنف مستلهم من الإسلام، ولذلك فإن كل من يدين بالإسلام يشارك في المسؤولية. لكن البيانات التي تم الحصول عليها ترسم صورة مغايرة لذلك. فليس فقط أن الكثير من المجتمعات الإسلامية أكثر احتمالا لرفض منهجية الإرهاب، بل إنهم غالبا ما يدينون العنف بناء على أسس دينية. قامت «غالوب» بسؤال المواطنين في البلاد ذات الأغلبية المسلمة حول العالم عما إذا كانوا يعتقدون أن أحداث الـ11 من سبتمبر «مبررة أخلاقيا»، ولماذا أجابوا بما أجابوا به. وقد برر الأقلية الذين تقبلوا الهجمات آراءهم بمبررات سياسية وليست دينية، وفي المقابل برر الأغلبية الذين أدانوا هذه الأحداث إداناتهم على أسس أخلاقيه ودينية.

إن الفكرة التي تقضي بأن الإرهاب سوف ينتهي فقط عند رفض المسلمين له ليست فقط مبنية على افتراضات باطلة، بل إنها سيئة لمكافحة الإرهاب. فالجماعات المتطرفة تسعى للحصول على الشرعية من خلال الادعاء بأنهم يتمتعون بدعم من المجتمع. والقول إن استمرار العمليات الإرهابية هو دليل على موافقة المجتمع إنما يعزز الادعاءات التي يروجها تنظيم القاعدة، ويعمل في ذات الوقت على تنفير المسلمين.

بعد مرور عقد من الزمن على أحداث الـ11 من سبتمبر كان المسلمون هم الأكثر معاناة من أحداث العنف المستوحاة من تنظيم القاعدة. فلو أن وقوف المسلمين «ضد شرعية الإرهاب» يمكن أن يقضي عليه، لكان الإرهاب الآن مجرد ذكرى بعيدة وفي غياهب النسيان.

* مديرة مركز «غالوب أبوظبي»،

ومركز «غالوب» للدراسات الإسلامية في واشنطن