لا تبتذلوا صور آلامهم

TT

لم أعد أحصي عدد تلك المرات التي تنقسم فيها الشاشة أمامي، نصفها لصورة متحدث رسمي أو محلل أو شخص ما يجيد حرفة الكلام يصدح صوته وخطابه الممجوج عن الإصلاحات الموعودة للنظام وعن المندسين القتلة، وفي النصف الآخر صورة إما رجال أمن يركلون متظاهرين مقيدين مرميين على الأرض أو صور ضحايا أو صور نحيب وبكاء لهاربين، وفي حالة قناة «الجزيرة» صور مقربة لجثث متظاهرين نال منها التنكيل والبتر أبشع منال..

في عالم التلفزيون يسمون تلك الصور المصاحبة لكلام أحد الضيوف «floating pictures»، أي صور عائمة إذا أردنا المعنى الحرفي لها. هي تعرض عادة كي لا يمل المشاهد من كلام الضيف المحاور أو لتكون مكملا مرتبطا بالموضوع محور النقاش، أما إذا أراد البعض التذاكي فهي لإظهار نقيض ما يريد الضيف أن يتحدث به.

هل يصح هذا المنطق التلفزيوني على ما يجري بثه من صور مصاحبة لبعض الضيوف.

هل من الجائز استعمال صور جسد حمزة الخطيب وحنجرة إبراهيم القاشوش المجزوزة وصور أجساد وآلام عديدة لتصاحب بلا انقطاع كلاما بلا معنى لبعض الشخصيات..

الثورات العربية جرت أمام الكاميرات..

منذ تونس ومصر وليبيا وصولا إلى وسوريا واليمن تتوالد صور الموت والقسوة بلا انقطاع، ومثلت هذه الصور سؤالا أخلاقيا بالنسبة إلى وسائل الإعلام. وكالات الأنباء العالمية أحجمت عن عرض صور الدم واللحم الممزق الذي تفانى المتظاهرون السوريون تحديدا في توثيقه.. الإعلام الغربي يستند إلى حجة قوامها أن هناك مشاهد عنيفة لا يجدر بنا بثها على الهواء لأنها قد تترك أثرا سيئا في نفوس المشاهدين..

في إعلامنا العربي شكل الأمر تحديا فعليا.. في حالة قناة «الجزيرة»، وهي الحالة القصوى في عرض تلك الصور، جرى عرض مشاهد القتلى والضحايا والتعذيب والتنكيل على نحو متكرر من دون أي اقتطاع إلا فيما ندر. ومنذ عرض تلك الصور وقعنا أسرى السؤال: هل يجوز عرض تلك الصور؟..

ولكن إذا لم تعرض فكيف كنا سنعرف أن هذا العنف وتلك القسوة قد حدثت فعلا..

هذه الأسئلة المشروعة والمفتوحة لا تعفي من ملاحظة أننا سقطنا في الابتذال.. فإذا كنا سلمنا بضرورة العرض مع مراعاة تفاصيل من نوع زاوية الصورة وتوقيت العرض وتحذير المشاهدين فإن في استعمال تلك الصور بصفتها «صورا عائمة» ترافق كلام المسؤولين أو تتكرر لتعبئة الوقت - فيه الكثير من الامتهان والابتذال لأرواح غالية تعذبت وماتت أمامنا.

لتلك الصور معنى.. إنه مسار الألم والعذاب الذي عاشه هؤلاء سواء حين تعرضوا للذبح أو البتر أو الدوس بالأقدام لا لشيء سوى لأنهم خرجوا إلى الشوارع يهتفون ويغنون لحريتهم..

المذبوح لا يلام على دمه لكنه في صورة عذابه تلك يسألنا: ماذا فعلتم بدمي!

في حالتنا نحن الإعلام سيكون الجواب بأننا وضعنا صورة موتك بصفتها مشهدا عائما لتصريح بال لبوق من أبواق النظام.

diana@ asharqalawsat.com