آخر الملوك التقليديين في بريطانيا

TT

المعروف عن الملكة إليزابيث أنها لا تتدخل في شؤون حكومتها. وكذا كان والدها جورج السادس. ولكن جدها جورج الخامس لم يترك صغيرة أو كبيرة في سياسة بلده إلا وكان له دور فيها. وعرف عنه شدته وصرامته في كل شيء حتى في تربية أولاده. عانوا تشدده معهم كثيرا. وربما كان ذلك سببا في ابتلاء جورج السادس بالفأفأة وشذوذ سلوك أخيه إدوارد الذي وقع في حب امرأة أميركية مطلقة وسبب أزمة عرش في البلاد. شعر اللورد دربي باستياء من غلظة تعامل الملك مع أولاده وتجرأ في أحد الأيام على أن يعاتبه عليها. عندما كانا يتمشيان في حديقة قصر نوزلي. أثار هذا الموضوع معه باعتباره من أقرب أصدقاء الملك وأكبر منه سنا. قال له إن أولاده الأمراء قد كبروا وأصبحوا رجالا وليس من المناسب معاملتهم كأطفال ويشدد عليهم بما يمزق عليهم متعة الحياة ويؤثر على الثقة بأنفسهم.

روى حكاية هذا الحوار لصديقه وكاتب سيرة حياته هارولد نكلسن. قال له إن الملك بقي ساكتا لنحو أربع دقائق ثم انفجر بعد ذلك بالكلام قائلا: «كان والدي يخاف من والدته. وأنا كنت أخاف من والدي. وأقسم بالله، فلتحل علي لعنة السماء إذا لم أجعل أولادي أيضا يهابونني ويخافون مني».

وفي رواية أخرى، يذكر هذا المؤلف كيف كان جورج الخامس يملي شخصيته على الحاضرين. يقول إن أنطوني إيدن ذهب لمقابلته في صيف 1935 قبل توجهه لمؤتمر في جنيف. وكان الجناح الخاص بالملك تحت الإصلاح. واضطر الملك إلى استقبال وزير خارجيته في الغرفة الشمالية من قصر بكنغهام المقابلة لمنصة الجوق الموسيقي للحرس الملكي. واعتذر الملك لمستر إيدن عن استقباله في هذا المكان وقال له: «لقد أصدرت أوامري لقائد الفرقة ألا يبدأ الجوق بالعزف حتى آمرهم بذلك». ثم انطلق الملك بتزويد أنطوني إيدن بالمواضيع التي عليه أن يثيرها في ذلك المؤتمر. وبعد أن انتهى من ذلك، جاء دور وزير الخارجية لتزويد الملك بملاحظاته. ولكنه ما إن بدأ بذلك حتى طلب منه الملك أن يتوقف. ثم ضرب الجرس فدخل أحد الخدم فقال له: «قل لقائد الفرقة أن بإمكانه أن يبدأ بالموسيقى الآن!».

لا بد أن إيدن شعر بالانكساف!

بيد أن جورج الخامس كانت له أوقاته من الظرف والمرح. روى مؤرخ آخر، فرانسس ستيفنسن، هذه الحكاية:

«كان الملك لا يحب فكرة مؤتمر جنوة. فقال للويد جورج، رئيس الوزراء، هل أفترض أنك ستذهب وتقابل هذين الرجلين، لينين وتروتسكي؟» أجابه لويد جورج: «لا أستطيع أن أختار الناس الذين يقتضي علي أن أقابلهم في خدمة جلالتكم. قبل أيام قليلة، اقتضى علي أن أمد يدي وأصافح سامي بك، رجلا وضيعا اختفى من المفاوضات ليوم كامل حتى عثروا عليه في الأخير في بيت موبوء في شرق لندن (المنطقة المليئة بالمباغي)، كان يمثل مصطفى كمال (أتاتورك)... لا بد أن أعترف بأنني لا أملك الخيار في مقابلة مثل هؤلاء الناس يا صاحب الجلالة...!».

فانفجر الملك بضحكة طويلة!