هل ستتمكن أوروبا من التعافي من الأزمة المالية؟

TT

قيل عن أحد سياسيي القرن التاسع عشر البريطانيين إنه لم يتوانَ قط عن تفويت الفرص الواحدة تلو الأخرى. وسيذكر التاريخ قمة أوروبا في عام 2011 بأنها «اليوم الذي واجه فيه قادة أوروبا أزمة السقوط، أو أنها نقطة التحول التي فشل فيها التاريخ في العودة إلى ما كان عليه من قبل».

في ظل كل هذه العوائق شبه المستحيلة - من الرغبات المتناقضة لدول منطقة اليورو الست عشرة، والرأي العام الألماني والمعاهدة الأوروبية ذاتها - بات الأمر مرهونا بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي قادت جهود الوساطة في التوصل إلى اتفاق يمنح اليونان السيولة المالية ويهدئ من روع الأسواق الأوروبية. لكن هذه العوائق - التي تعني أنه لا يمكن أن تكون هناك عملية إنقاذ، أو تأخر في سداد الديون أو خفض للعملة أو المزيد من المال - لا تزال قائمة وتبدو غير قابلة للتغلب عليها، لأن أوروبا لم تواجه من قبل أزمة بهذا النطاق. ويجمع قادة أوروبا على أن ما يواجهونه هو أزمة مالية تعصف بتخومهم، لكن الأزمة الأوروبية ليس لها بُعد واحد، بل هي أزمة ثلاثية الأبعاد، فهي ليست مجرد أزمة مالية، بل أزمة مصرفية - أحد الالتزامات المصرفية الضخمة غير الممولة - وأزمة انخفاض النمو، التي هي في حد ذاتها نتيجة للفشل في اندماج أوروبا الذي لم تتمكن من التعافي منه. وقد حذروا جميعا وبتوليفة قاتلة من مؤشرات مأساوية عاما بعد عام من إمكانية بطالة المزيد والمزيد من الأوروبيين دون ضرورة.

خلال لحظات الأزمة كان على السياسيين قيادة الأسواق وتقديم حلول لا ترفض، وكان أبرز مثال على ذلك عندما أعلن عن مواجهة أزمة اليوم بخطة الاتفاق الجديد التي وضعها روزفلت في الثلاثينات، والتي اعتمدت سياسة التحفيز بدلا من التقشف. وفي أثناء اجتماع مجموعة دول العشرين في أبريل (نيسان) عام 2009 كان على العالم أن يدعم الاقتصاد بتدابير حاسمة وجريئة.

وخلال لحظات من الحقيقة الأسبوع الماضي كانت أوروبا بحاجة إلى التخلص من العوائق السابقة وإقرار تغييرات تاريخية، وإعادة هيكلة المصارف المكلفة، والتنسيق بين السياسات النقدية والمالية وإصلاح منطقة اليورو نفسها لإزالة العوائق البنيوية أمام النمو.

وكانت قمة بروكسل على نحو خاص بحاجة إلى قبول حتمية التحويلات المالية والاستعداد لتدابير احترازية لإيطاليا وإسبانيا، وتوسعة صندوق الاستقرار الأوروبي وتعزيزه بمؤسسة حاجزة تفوق حجمها الحالي، بيد أن أيا من هذه الأشياء لم يرُق حتى لأجندة المجموعة. غير أن هذه الخطوة التي أُجلت في هذه المرحلة من الأزمة تعني الحاجة إلى تحرك أكثر جوهرية خلال المرحلة القادمة. وربما يكون ما قد أرضى الأسواق الشهر الماضي - خطة إنقاذ لليونان شبيهة بخطة برادي - غير قادر على إنهاء عذابات الاقتصاد الأوروبي في المرة القادمة. وأخشى أنه في غضون شهور قلائل سنحتاج إلى تسهيلات دعم أكبر، ربما ما يقرب من تريليوني يورو لتغطية النفقات المستقبلية لإيطاليا وآيرلندا واليونان والبرتغال وإسبانيا وبلجيكا. أضف إلى ذلك أن إعادة هيكلة المصارف قد تتكلف ما يربو على 200 مليار دولار، وهو ما يتطلب بدوره اتفاقا شاملا - الدول التي تمولها الدول الأعضاء في اليورو والتي تمول من صندوق النقد الدولي - يكافئ ربع الناتج المحلي الإجمالي لدول اليورو. ثم سيتعين علينا أن ننشئ مؤسسة للدين الأوروبي (ربما يصل إلى 60 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي لدول أوروبا)، وكنتيجة لذلك سيكون هناك تنسيق مالي ونقدي أكبر، وفي المقابل فإنها تعني تحويلات مالية تسير على نفس النموذج الأميركي، وإن لم يكن مشابها له بعد.

لكن على الرغم من الموافقة على كل تدابير الاستقرار هذه، لا يزال النمو في أوروبا هزيلا وبعيدا كل البعد عن الخطة الموضوعة، كما لا يزال العجز والبطالة في مستويات قياسية. لذا فإن البعد الذي لا مفر منه - ما أسميه «الخطة الأوروبية العالمية» - يتمثل في عزم أوروبا على التوقف عن التطلع إلى الداخل والتطلع إلى الخارج للتصدير للأسواق في الأسواق الثماني الأسرع نموا (الهند والصين والبرازيل وروسيا وإندونيسيا وتركيا والسعودية والمكسيك) التي تشكل أغلب النمو الجديد في العالم. واليوم لا تصدر أوروبا سوى 7.5% من صادراتها إلى هذه الاقتصاديات سريعة النمو التي ستشكل 70% من النمو العالمي.

الهدف الرئيسي من تحقيق النمو المستدام لا يتمثل فقط في إعادة توجيه أوروبا من نمو يقوده الاستهلاك إلى نمو يقوده التصدير، بل إلى منتج رأسمالي راديكالي وإصلاحات سوق العمل لتزويد وإعداد منطقة اليورو للتنافسية العالمية. ومن دون هذه الأجندة للنمو لا يتوقع أن تنجح حتى أقسى خطط التقشف في منع العدوى من الانتشار.

وسيجد القادة الأوروبيون، الذين افترضوا على مدى عشر سنوات أن اتفاقية الاستقرار لا تزال ضرورية للتماشي مع الأزمة، أن عليهم مواجهة تغييرات دستورية غير مسبوقة، وكان أحد الأسباب لمعارضتي انضمام بريطانيا إلى منطقة اليورو هو أنها لا تمتلك آلية حل الأزمة أو منع الأزمة أو المحاسبة إذا ما تأزمت الأمور.

واليوم نجد القادة السياسيين لأوروبا ممنوعين من توسعة مؤسسات الدعم المالي الأوروبية الهشة، لأن بنية التصويت التي تتطلب الإجماع لا تزال متشككة حول المسؤول عن أزمة نتجت عن علاقاتهم الغامضة مع البنك المركزي المستقل، وحتى الآن لا تزال غير قادرة على تصور القضايا الدستورية التي أثارها الاتحاد المالي.

لكن السؤال الأهم يتم تجنبه في كل مرة، وفي كل مرة تكون النتيجة اتفاق تسوية، وستكون الأزمة القادمة أكثر قربا وتهدد بأن تكون أكثر خطورة. هذه الطريقة لا تعد كافية، ومن الآن فصاعدا لا يمكن لأحد أن يفترض أن قوة أوروبا السابقة كقارة غير كافية للحيلولة دون وقوع أقسى النتائج المستقبلية.

* رئيس وزراء بريطانيا السابق

* خدمة «غلوبال فيوبوينت»