النرويج فضحت المستور

TT

إنها صدمة حضارية تلك التي أصابت الغرب عموما والنرويج تحديدا جراء الحادث الإرهابي الكبير الذي أقدم عليه شاب نرويجي، تم اكتشاف أنه ينتمي إلى فكر وخلايا إرهابية ذات نزعة عنصرية مسيحية ومتطرفة وإقصائية تضع في مواجهتها، كأهم عدوين لها، الإسلام والشيوعية، وتعتقد يقينا أن مستقبل القارة الأوروبية كلها مهدد بغزو لقيمها وحضارتها منهما.

الشاب النرويجي المتهم متأثر بفكر «حراس الهيكل» وهي فرقة رائدة كانت موجودة في جيش الصليبيين الذي غزا الشرق والقدس الشريف وعاد إلى أوروبا ولديه أفكار سرية خاصة جدا، وانقلب إلى فكر سري أدى إلى أن تحاربه الكنيسة الرسمية وقتها وتسعى للقضاء عليه بالقوة مما جعله يتحد مع الجماعات الماسونية السرية ويكونان معا حراكا غير بريء يتدخل في شؤون السياسة والمال والاجتماع، ودور هذه الجماعات من الواضح أنه يتنامى في المجتمعات التي فيها حراك اجتماعي (عمالة مهاجرة، تزاوج من خارج البلاد، اتحاد سياسي مع دول أخرى، انتشار أديان جديدة، وغيرها من الأسباب) فيحسب بعض أهلها أن ذلك كله تهديد لهويتها وتهديد لكياناتها.

وطبعا الدول الاسكندنافية التي فيها سوية اجتماعية جيدة ونظام تعليمي مهم وقضاء عادل ونافذ وخدمات عامة مبهرة ونسبة أمن وأمان مذهلة وتجانس اجتماعي ومداخيل اقتصادية عالية (وتحديدا في النرويج وهي الدولة المنتجة للنفط والمصدرة له بمداخيل مرتفعة وعوائد جيدة على عدد سكان أقل من خمسة ملايين نسمة)، التوتر الأصولي المسيحي يرتفع صوته فيها بقوة وهو لا يأتي من قبل الكنائس الشرقية القديمة (وإن كانت المجازر التي حصلت من الصرب كانت برعاية الكنيسة الأرثوذكسية إلى حد كبير)، ولكن التوتر الأصولي المسيحي يأتي بشكل أساسي من الكنيسة البروتستانتية وهي التي تبنت الإصلاح في نشأتها ونادت بالنورانية وفصل الدين عن الدولة، وتم في المراحل الأولى تقليص دور الكنيسة، ولكن الآن تعود للسطح التفاسير الكهنوتية لبعض الأصول الإنجيلية عن المخالفين للمسيح وأهمية مواجهتهم والخلاص منهم والتعجيل بعودة الملك لأخذ مملكته (وهو التعريف الأصولي الإنجيلي لعودة المسيح مرة أخرى لقيادة أتباعه نحو النصر العظيم) وكل ذلك مستمد بشكل رئيسي من سفر النبوءات وهو على غير إجماع الكنائس القديمة كالكنيسة القبطية والأرثوذكسية والكاثوليكية والأرمينية على سبيل المثال.

الصوت العالي للتوتر الأصولي اليميني المسيحي المتطرف مرشح لأن يتزايد وخصوصا في أوروبا وبعض الولايات الجنوبية بأميركا وجميعها تواجه نفس التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية خصوصا في ظل سيناريوهات تردي الوضع الاقتصادي المرشح في التواصل، وبالتالي زيادة نسبة البطالة والعوز الاجتماعي والنظر إلى المهاجرين كأعداء ومشاركين أو مغتصبين للقمة العيش. لسنوات طويلة لم تجرؤ أوروبا ولا الغرب على أن تفتح ملف الأصولية المسيحية المتطرفة إلا من خلال ملف معاداة السامية والعداء لليهود، عن طريق المجاميع النازية والنازية الجديدة التي تتخذ شعارها «صليبا» معقوفا، إلا أن المشكلة موجودة وتتعاظم، واليوم تواجه المجتمع الأوروبي بشكل فج ودموي، الذي كان يشكو لسنوات طويلة من قلة إقبال الأوروبيين على حضور العظات بالكنائس وقلة انضمام شبابهم للأديرة ليتفرغوا للرهبنة حتى وصلت الأعداد إلى نسب مخجلة جدا، إلا أن التطرف والأصولية كان يجذب وبشكل سري وغامض أعدادا متنامية حتى بات فصلا جديدا في الحرب الدولية على الإرهاب، وإن لم يتم الإعلان عن ذلك بشكل رسمي، إلا أن حادثة النرويج وما تم الإعلان عنه من نتائج التحقيق حتى الآن يوضح أن حجم الموضوع مهول وليس حالة استثنائية شاذة. الإرهاب فعلا «لا دين له».

[email protected]