مجاعة الصومال هي «الإثم»

TT

المجاعة تفتك بسكان الصومال، نساء وأطفال لا يجدون لقمة واحدة يأكلونها، بينما شباب الجهاد هناك مشغولون بقياس جلابيب الرجال وبلون ونوع القماش الذي تضعه النساء على صدورهن.

الإثم كل الإثم هو أن تتفرج على شعبك وهو يأكل الثرى، وليس أن تلاحق نوع ملابسه وقياسها، ومدى كثافة لحى الرجال.

الإدارة الرشيدة هي في تدبير أمور الناس وشؤون معاشهم ومصالحهم، وإقامة العدل فيهم، وتوفير سبل العيش الكريم. هذه هي المسؤولية الأساسية والباقي مجرد تفاصيل.

تجاوب الأصوليون الحاكمون مع هذه الفضيحة الكبرى، في أجزاء واسعة من الصومال، بنفي وقوع مجاعة في الأرض التي يحكمونها، ربما يقصدون عدم وصول الأمر إلى الهلاك المحقق، أو ربما يريدون نفي أن تقع مثل هذه «العقوبة» السماوية في ظل حكمهم الصالح!

مثال الصومال يقودنا إلى الحديث عن الخلل الكبير والداء الوبيل الذي يتحكم بثقافة وعقل أغلب الجماعات الدينية السياسية وجماهيرها حول الحلم الإسلامي، وما هو فهمهم لكيفية تحقيق النموذج الإسلامي الصحيح، وهو الفهم الذي أدى إلى كثير من الاختلالات التي نرى في طول العالم الإسلامي وعرضه.

منذ بدايات العصر الحديث، بعد الاستعمار وقيام الدول الحديثة، هناك وهم عنيد يحاصر كل إمكانية فكرية لإيجاد خطاب تنموي ومدني حديث يكون دعامة نظرية للدولة المعاصرة، وخلاصة هذا الوهم أن ثمة نموذجا إسلاميا مثاليا مفقودا، يجب استعادته من جديد، بكامل بهائه، كما كان الأمر في السابق، ثم تتحقق الجنة الأرضية وتعود الشرعية بمجرد جلب هذا النموذج المفقود وتحقيقه على الأرض.

هذا الوهم هو الذي أوجد جماعة الإخوان، أم الحركات الإسلامية المسيسة، وكل ما تفرع عنها، وصولا إلى جماعات العنف الديني وذروتها تنظيم القاعدة، فكل هذه الحركات تدور حول فكرة واحدة هي فكرة إقامة الدولة الإسلامية الشرعية، واستعادة النموذج المفقود. الاختلاف بينها فقط في الوسائل وبعض تفاصيل هذه الدولة المرتجاة.

لماذا هذا الوهم ضار؟ وقبل ذلك لماذا هو وهم فعلا؟ الحق أنه وهم لأنه ما من نموذج كامل تحقق يوما في الأرض، وما يقولونه حول الفردوس المفقود ليس إلا أمنيات وأحلاما أقحمت إقحاما على حلبة التاريخ والماضي. ومن يقرأ جيدا في سير الماضين وأحوالهم يعلم أنهم هم أيضا كانوا يشكون من فقدان النموذج الرشيد ويحلمون بالتغيير!

ثم هو وهم ضار لأنه يغيب الأسئلة الحقيقية التي يجب طرحها حول النهضة والتخلف وما هي مواصفات الدولة الناجحة وما هي مسؤولياتها الفعلية، ويتم هدر الطاقة الذهنية والنشاط الاجتماعي في أسئلة فارغة وإثارة مهلكة، لا تقبض في نهاية الأمر منها إلا على جمر حارق ورماد يتلاشى في الريح الصرصر.

مشكلة المسلمين، هي في تدبير شؤون الدنيا، فالدنيا هي التي نعيش فيها، وهي التي نعاني منها، وهي التي نتصارع عليها، ونمشي فيها خطواتنا التي كتبت علينا.

من يريد أن يكون حاكما مسلما صالحا، لا ينشغل بملابس الناس وأزياء النساء، ولا يهتم بما يغطي الجسد، بل بما يغذي هذا الجسد وينميه، ويوفر لصاحبه إمكانية الأمل في الحياة.

[email protected]