عندما يصاب من في الوسط بالجنون!

TT

كان إد ميليباند، رئيس حزب العمال البريطاني، الذي طرح السؤال الصعب خلال نقاش يوم الأربعاء بالبرلمان حول فضيحة التجسس على الهواتف، قائلا: «لماذا لم يتحدث الكثيرون منا عن هذا من قبل؟».

ألقى ميليباند المسؤولية على الترويع السياسي من جانب إمبراطورية روبرت مردوخ الصحافية: «الإجابة أن ما نعرفه جميعا واعتدنا الخوف من ذكره هي أن (نيوز إنترناشونال) قوية للغاية». ولكن لا يوضح هذه الإجابة التحول المفاجئ، وكيف تبدل الأمر من التعامل بلا مبالاة إلى حالة من الغضب الشديد؟

لم تكن الحقائق الأساسية لفضيحة القرصنة الهاتفية سرا، حيث أظهر تحقيق برلماني العام الماضي مدى التجسس، وأشار إلى أن هناك تسترا على الأمر من جانب الشرطة وشركة «نيوز إنترناشونال». وعلى الرغم من ذلك لم يقم السياسيون البريطانيون بشيء إلى أن أضيفت حقيقة جديدة إلى هذا المزيج، وهي أن ضحايا التجسس كان من بينهم ضحية جريمة قتل عمرها 13 عاما وتدعى ميلي دولر. وكانت هذه النقطة التي رجحت كفة الميزان، بل كان الأمر أشبه بانهيار جسر ظل صامدا، بينما كانت تمر عليه ملايين السيارات، ثم تداعى عند مرور سيارة أخرى إضافية. على هذا النسق أحدثت قصة ميلي دولر تحولا في الرأي العام، وكان هذا تحولا مربكا للسياسيين وحدثا كارثيا لمردوخ. ربما يعد تحميلا للأمور أكثر مما تعني، ولكني أرى تصرفا مماثلا في موقف المواطنين الأميركيين من رفع سقف الديون. لقد ظل الرئيس باراك أوباما على مدى أشهر يحذر من أن سياسة حافة الهاوية التي يتبعها الحزب الجمهوري خطيرة. وبالإضافة لكل اقتصادي ورئيس مشروع مسؤول، قال الرئيس إنه من الإهمال أن نبقى رهينة الجدارة الائتمانية للبلاد. وظل الجمهوريون في طريقهم رغم أن الإشارة تومض بالضوء الأصفر.

ولكن فجأة، تحولت الإشارة إلى الضوء الأحمر. وأظهرت استطلاعات للرأي أجرتها صحيفة «واشنطن بوست» ومؤسسات أخرى زيادة حادة في الشعور بالقلق لدى المواطنين إزاء تكلفة الخدع المرتبطة بسقف الديون.

ما الذي يحدث في الآراء ليحرك قضية من مستوى «عدم الاكتراث» إلى مستوى الشعور بالقلق مما يدفع تجاه اتخاذ إجراء سياسي؟ سألت المتخصص في استطلاع الآراء أندرو كوهوت، من مركز «بيو» البحثي، الذي يستطلع الآراء داخل الولايات المتحدة وخارجها منذ عقود.

يقول كوهوت: «يدرك الناس فجأة أن هذا الأمر سيئ للغاية! وقبل حدوث ذلك، ينظرون إلى الأمر بطريقة مختلفة». ويعد «المستقلون» الموجودون في الوسط عنصر التحول الجوهري، حيث يعرف الحزبيون في كلا الجانبين ما يفكرون فيه، سواء كان الأمر يتعلق بقضية داخل بريطانيا حول التنصت على الهواتف أو قضية داخل أميركا عن سقف الديون. ولكن يستغرق المواطنون الموجودون في الوسط بعض الوقت ليشكلوا آراءهم، وعندما يقومون بذلك ترجع كفة الميزان على نحو قاطع. تعكس التحولات السياسية المهمة تغيرات في بوتقة الآراء، ولا سيما بين هؤلاء المستقلين. ويذكر كوهوت دعم المواطنين المتزايد بصورة بطيئة منذ منتصف التسعينات للدور الحكومي الفيدرالي في حل المشكلات. ولكن حدث تحول في هذا الدعم بعد أن ضغط أوباما بقوة من أجل تشريع الرعاية الصحية عام 2009 من دون إجماع وطني. وبحلول خريف 2010، حدثت زيادة نسبتها 11 في المائة في ضعف ثقة المستقلين في الحكومة الفيدرالية مقارنة بعام 2006، كما ظهرت زيادة نسبتها 26 نقطة في تأييد قدرة الحزب الجمهوري على تخفيض العجز في الموازنة. وكان للتحول بين المستقلين أثر كبير في انتخابات الكونغرس عام 2010.

في بعض الأحيان تكون هناك حقائق مثيرة تحدث تحولا في الآراء، تظهر تفاصيل جديدة مروعة، مثل التنصت على فتاة تبلغ من العمر 13 عاما، لتبدد الغمام وتجعل الرأي العام يولي الأمر قدرا من الاهتمام. عادة لا يتابع معظم الناس السياسية عن قرب. ولكن في هذه اللحظات، كما يقول مدير استطلاع الرأي في صحيفة «واشنطن بوست» جون كوهين: «تصبح الحقيقة أوضح، ويكون رد الفعل بناء على حقائق على أرض الواقع». وهذا ما يحدث مؤخرا في النقاش حول سقف الدين، الذي كان في البداية شيئا مجردا ومربكا، ولكنه بات ملموسا بدرجة أكبر. ويشير كوهين إلى أنه مع اقتراب الموعد النهائي المحدد في الثاني من أغسطس (آب)، بدأ أميركيون يركزون على التكاليف المحتملة للعجز عن السداد. ووجد استطلاع رأي أجرته صحيفة «واشنطن بوست» الأسبوع الماضي أن 80 في المائة من الجمهوريين يرون أن العجز عن السداد سيلحق «ضررا خطيرا» بالاقتصاد. وقد غيرت بيانات استطلاع رأي المواطنين مماثلة من دفة النقاش داخل واشنطن. والدرس أن المجموعة الكبيرة غير المنتبهة الموجودة في الوسط تحدث تحولا حاسما في الساحة السياسية عندما تنتبه. وربما تسيطر الأصوات الحزبية على النقاش. ولكن تظهر التحولات المهمة، مثلما قرار الرأي العام البريطاني بأنه سئم من ماركة روبرت مردوخ الصحافية وطلب الرأي العام الأميركي من السياسيين التوقف عن التلاعب بالميزانية، عندما يشعر المواطنون في الوسط بالغضب ويطالبون باتخاذ موقف.

* خدمة «واشنطن بوست»