اللهم اجعلني حمامة

TT

قال لي: مشكلتك يا مشعل أنك تتكلم عن الناس وتجيب سيرتهم (عمّال على بطّال)، وتنسى أنك كلك أخطاء وللناس أعين، أما تستحي؟!

قلت له: والله أعرف، ولكن كيف تريدني أن (آكل عيش) وأرفه عن نفسي في الوقت ذاته؟! هذه هي هوايتي يا أخي وأنا حر فيها.

واليوم يا سادتي سوف أحدثكم عن اثنين (بطّال على عمّال)، أي بالعكس..

الأول أعرفه جيدا وزاملته في المدرسة وكنت أستثقل دمه جدا، وكثيرا ما قرّعته و(تتريقت) عليه وشبهته بالمرحوم (اسماعيل يس) من ناحية الشكل فقط. وشاءت القدرة الإلهية أن يتوفى والده المليونير، وكان هو وارثه الوحيد، وما إن علمت بذلك حتى تصنعت الحزن وكنت من أول المعزين، وبدأت أحاول التقرب منه، وتغيرت معاملتي له (180) درجة، وتحولت من الصراحة إلى النفاق، غير أن السخيف، للأسف، أعطاني (بول شت)، وكأنه أراد بذلك أن ينتقم من (تريقتي) الماضية عليه، فكدت أن (أموت بحسرتي)، ولكنني دعوت عليه من أعماق قلبي، ويبدو أن ربي سبحانه قد استجاب لدعوتي؛ فالولد من أول ما ورث، ومن أول ما انتهى عزاء والده، إذا به يتوجه لمعرض سيارات (BMW) ويشتري أفخر سيارة «اسبور»، وبعدها شحن نفسه مع سيارته إلى شواطئ (الكوت ديزورت).

لا أريد أن أطيل عليكم، ولكن باختصار: لم تمض عليه عشرة أعوام فقط حتى (فرتك) الملايين بكاملها، وهو اليوم يستجدى الريال ولا يجده، وعاد يستجدي صداقتي، ولكن أين هو منها، لأنني بصراحة لا أصادق (الطفرانين)؟

أما الثاني فلا أعرفه، ولكنني قرأت عنه، وهو فتى إنجليزي اسمه (دومينيك ماكفي)، وشاءت له الصدف أنه كان يتصفح الإنترنت بحثا عن بطاقات الائتمان الشهيرة «فيزا» فكتب حروف موقعها خطأ، حيث إنه كتبها (VIZA) بدلا من (VISA) ولكن هذا الخطأ در عليه في ما بعد الملايين، وكان وقتها في الثانية عشرة من عمره.

أقول لكم كيف.. اتضح أن ذلك الموقع يختص بشركة أميركية للدراجات (Roller Skate)، فخطر على باله أن يشتري واحدة منها، غير أن الشركة رفضت ذلك واشترطت عليه أن يشتري ست دراجات ويعطوه واحدة منها (ببلاش)، فساعده والده على ذلك، واستطاع أن يبيع الخمس الأخريات لزملائه خلال أسبوع واحد، عندها تحمس للفكرة واتصل بالشركة عارضا عليهم أن يشتري منهم مائة دراجة بثمن مؤجل لقاء عمولة، ووافقت الشركة، واستحدث له موقعا على الإنترنت، و(كرّت معه السبحة) واستطاع أن يبيع خلال أربعة أعوام أكثر من سبعة ملايين دراجة. وما أن بلغ عمره 19 سنة حتى كان في رصيده البنكي أكثر من (25) مليون جنيه إسترليني، (جنيه ينطح جنيه)، وأصبح من نجوم المجتمع.. تتهافت الصحف ومحطات التلفزيون على استضافته كرجل أعمال ناشئ وناجح، وأنشأ شركة لها نشاطات ضخمة تقدم استشاراتها وخدماتها للعملاء، ومن أراد أن يتأكد من ذلك فليدخل على (غوغل) ويكتب اسمه.

واليوم يعمل في شركته أكثر من (300) موظف وموظفة.

وأحلى ما في الموضوع أن والده ترك وظيفته التعبانة، وعينه ابنه مستشارا له لقاء راتب كبير.

ولا أدري هل المثل الذي سوف أورده الآن صحيح أم غير صحيح؟! وهو يقول بما معناه:

إذا أقبلت باض الحمام على الوتد، وإذا أدبرت بال الحمار على الأسد.

اللهم اجعلني حمامة، ولا تجعلني أسدا.

[email protected]