الإرهاب في النرويج.. استنقاذ «رؤية» من زحام التشويش

TT

المفترض (في مثل هذه الحوادث والقضايا) أن تنصب مهمة الكاتب على التحليل والتفسير، ثقة بأن وسائل الإعلام قد نهضت بوظيفة تقديم المعلومة الصحيحة، عما جرى، للرأي العام، بيد أننا مضطرون (الآن) إلى القيام بمهمتين مركبتين: مهمة تقديم المعلومة الصحيحة عن المذبحة الإرهابية في النرويج، ومهمة التحليل والتفسير بطبيعة الحال، لماذا؟ لأننا لاحظنا أن هناك «تعتيما إعلاميا» على حقيقة خلفيات الإرهابي النرويجي، أندرس برييفيك، باستثناءات نبيلة طبعا. بل هناك من سارع إلى التغطية الخبيثة على «فكر» الفاعل، حيث وصف تفكيره وقوله بأنه «كلام مرتبك»، على حين أن ليس في كلامه ارتباك ولا غموض، بل هو كلام واضح، وفكر مؤصل ذو هدف صريح.. والملحظ الثاني، «تعطيل نظرية التعميم» التي تنشط آلتها كلما ارتكب مسلم مخبول، مريض التفكير والسلوك، جرما ما. فهناك تتسابق وسائل إعلام، ومراكز دراسات إلى إسقاط هذا الجرم على المسلمين أجمعين، تصريحا أو تضمينا. ولقد تغذى الإرهابي برييفيك من هذا الشحن الآيديولوجي التعميمي ضد المسلمين (كما قالت «نيويورك تايمز» وهي تعلق على الحدث). ولنناقش، بموضوعية، هذين الموضوعين: موضوع النقص والحجب والالتواء والتشويش في المعلومات.. وموضوع «تعطيل نظرية التعميم»، حين تعلق الأمر بفعل إرهابي (ولكنه أبيض ومسيحي)!

أولا: المعلومات الصحيحة عن خلفيات الإرهابي النرويجي هي أنه رجل يحمل أجندة آيديولوجية سافرة جدا تبدت في أقوال له مستفيضة، منها:

أ) «إنني أعمل ضد تعدد الثقافات، وضد الدين الإسلامي بوجه خاص».

ب) «إنني أستخدم الإرهاب وسيلة لإيقاظ الجماهير النائمة وأفتح عينها على خطر الإسلام. ولقد فعلت ما فعلت لكي أنقذ أوروبا من خطر الإسلام».

ج) «أنا صليبي أحاول تجديد روح الحروب الصليبية الأولى».

د) «مهمتنا هي العمل كمنظمة مسلحة تدافع عن حقوق السكان الأصليين ضد الأجانب، وكحركة صليبية ضد الزحف الإسلامي».

هـ) «السياسيون في بلادنا فشلوا في الدفاع عنها ضد التأثير الإسلامي».

و) «دعونا نحارب جميعا من أجل إسرائيل. لنحارب مع إخواننا الصهاينة كل من هو ضد الصهيونية».

وهذه المعلومة الأخيرة مدخل إلى قضية جديدة، وهي أن الإرهابي النرويجي برييفيك مركب آيديولوجي (من اليمين المسيحي المتطرف، ومن الغلاة في الصهيونية).. ولكن ما علاقة الصهيونية بهذا التفجير الإرهابي في النرويج، وبأجندة المنظمات الإرهابية التي يعمل برييفيك من خلالها؟ لنأخذ دليلين على هذه العلاقة:

1) الدليل الأول هو: أن «كسر حصار غزة» كان بندا على أجندة الاجتماع الشبابي النرويجي - التابع للحزب الحاكم - الذي انعقد في جزيرة أوتوياه، حيث وقعت المجزرة الإرهابية. فهؤلاء الشباب النرويجي الذين ذبحوا إنما ذبحوا بسبب تضامنهم على كسر حصار غزة.

2) الدليل الثاني: ما كتبه ستيفن لندمان (الباحث في مركز أبحاث العولمة)، إذ قال: «إن هجمة يوم الجمعة في النرويج ذات علاقة بدعم النرويج للسيادة الفلسطينية. فقد هدفت الهجمة إلى الضغط على النرويج لكي تمتنع عن التصويت لصالح الدولة الفلسطينية المستقلة في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) المقبل».. ومما يلحق بخلفيات برييفيك الآيديولوجية المتعصبة أنه متأثر بالتفكير اليميني الأميركي المعادي للإسلام. فقد كتبت «نيويورك تايمز» تقول: «إن المذبحة الإرهابية التي شهدتها النرويج، وارتكبها أحد مواطنيها من المسيحيين المتطرفين، تسلط الأضواء على التفكير المعادي للإسلام والمسلمين في الولايات المتحدة. فالرجل المتهم بارتكاب هذه المذبحة قد تأثر بشدة بجماعات من المدونين والكتاب الأميركيين الذين أنذروا - لسنوات كثيرة - بـ«خطر الإسلام»، ولقد اعترف برييفيك بأنه تابع باهتمام ومثابرة الجدل اللاذع حول الإسلام في الولايات المتحدة.. ومما يدخل في باب التدليس أو التضليل الإعلامي، الزعم المتكرر بأن هذا الإرهابي يعمل (وحده)، على حين أن المعلومات الصحيحة تؤكد أنه يعمل (باعترافه هو) من خلال منظمات تحمل فكره ذاته.

ولقد مر قبل ثوان قوله: «مهمتنا هي العمل كمنظمة مسلحة تدافع عن حقوق السكان الأصليين، وكمنظمة صليبية تناهض الإسلام».

ثانيا: موضوع «تعطيل نظرية التعميم» التي تنشط حين يتعلق الأمر بالمسلمين! وبادئ ذي بدء نحن نرفض - بإطلاق - هذه النظرية، ذلك أن منهج الإسلام ينقضها نقضا تاما من حيث تناقضها مع دقته العلمية في إصدار الأحكام على الناس، ومن حيث تناقضها مع «عدله المطلق»، الذي يأبى إسقاط وزر المجرم على بريء: «ولا تزر وازرة وزر أخرى».. وواقع الأمر يقول إن المسيحيين ليسوا سواء. فمنهم المتعصب الظالم، ومنهم المتسامح العادل الذي يفوق - في العدالة والنزاهة والشرف - عربا ومسلمين يعيدون نشر ما يقوله أعداء الأمة والدين ضد الإسلام والمسلمين! نعم.. نظرية التعميم مرفوضة بحسم وحزم. وإنما أوردناها هنا لنبين أن الغربيين ليسوا كما يصورهم الإعلام المفتون بهم بأنهم جميعا قوم في قمة الحياد والنزاهة والموضوعية، بدليل أن منهم من عطل «نظرية التعميم» حين ارتبط الإرهاب برجل مسيحي أبيض، وهؤلاء أنفسهم هم الذين استخدموا «نظرية التعميم» ضد المسلمين بسبب جناية نفر منهم.. ثم أوردناها لندعو الغربيين إلى كلمة سواء في هذا الشأن، وهي: إما أن يكون «التعميم» منهجا عاما صحيحا، يطلق على المسلمين كما يطلق على المسيحيين، فيتهم - من ثم - جميع المسيحيين بالإرهاب، بسبب ما اقترفه النرويجي أندرس برييفيك.. وإما أن يكون هذا التعميم خاطئا ظالما فنكف عنه - بإطلاق - نحن وأنتم.