هل يدعم المسلمون التطرف الأوروبي؟!

TT

وثيقة المهووس النرويجي أندرس (بكسر الدال) برييفيك الـ1500 صفحة تبريرا لمهرجان القتل المزدوج ماثلت مضمونا فكر الإسلامجوية كالمقدسي، والزرقاوي، والظواهري.

برييفيك شاركهم جنونا نرجسية تنصبهم فوق بقية البشر؛ فلا يعترفون بالقوانين التي استغرقت الإنسانية قرونا، منذ مصر القديمة وحمورابي إلى دساتير عصر الأمم المتحدة، من أجل تنظيم الحياة.

نرجسية جنون العظمة تستقتل مركبة الهوس الديني فتمزج الاضطراب السيكولوجي بوهم القدرة الاستثنائية على فهم الرسالة اللاهوتية. فتهبط المركبة، في محطة عقدة الاضطهاد paranoia (أعتقد برييفيك أن البوليس سيقتله في المحكمة، بينما الإسلامجوية يعتقدون أن بقية المجتمع يستهدفهم لأنهم مسلمون).

برييفيك أقر بمسؤوليته، أمام المحكمة الاثنين، عن قتل 76 شخصا، ولكن ليس بالذنب لعدم اعترافه بالقانون النرويجي (الذي يضمن له محاكمة عادلة ويحميه من فتك أهالي الضحايا لو طالوه) لأنه يتبع قانونا ساميا من وحي السماء أوكل إليه مهمة حماية أوروبا من الإسلام باغتيال المسيحيين النرويجيين!

قتلة المسلم أنور السادات رفضوا الاعتراف، في المحكمة، بالقانون المصري مدعين قانونا مجهولا لحماية الإسلام من السلام مع اليهود!

برييفيك لم يفجر قنبلته أمام مسجد أوسلو حيث يتجمع «أعداء حضارته» بل في مقر الحكومة النرويجية لاستقدامها «الغزاة المسلمين».

«القاعدة» تهاجم بلدانا «إسلامية» سمحت بغزو الثقافة الغربية «الصليبية» لديار الإسلام.

برييفيك يقول إن مذبحته لن يفهمها الأوروبيون إلا بعد نصف قرن كاستراتيجية لـ«تحرير أوروبا من الاستعمار الإسلامي الثالث».

الاستعمار الأول، في قراءة اليمين الأوروبي الصاعد للتاريخ، كان قيادة طارق بن زياد لبربر شمال أفريقيا المسلمين لغزو إيبريا (إسبانيا والبرتغال) في 711 ميلادية، مؤسسين ولاية أموية فرضت الجزية على سكانها المسيحيين حتى أنهاها فرديناند وإيزابيلا عسكريا في 1492.

دعوة زعماء الإسلام السياسي إلى إعادة تأسيس إمارة الأندلس الإسلامية تقوي من تفسير مدرسة برييفيك لتاريخ الفترة.

الاستعمار الثاني، عندهم، اجتياح العثمانيين لشرق ووسط أوروبا في القرن الـ14 متقدمين حتى فيينا عندما بدأت معركة 1683 وتراجعهم الذي اكتمل في مطلع القرن العشرين.

الاستعمار الثالث في كتاب برييفيك هو الوجود الظاهر لـ44 مليونا في أوروبا اليوم (يتوقع تخطيهم 58 مليونا عام 2030) برفض غالبية المسلمين الاندماج في ثقافات أوروبا، مشيرا إلى دعوة أدبيات الجهاديين، خاصة الباكستانيين، بأنهم يخططون لغزوة ثقافية وبشرية تحقق ما أخفقت فيه سيوف المسلمين في القرن الـ15 وهو الاحتفاظ بإمارة الأندلس الإسلامية ونشر الدعوة وراء حدودها الأوروبية.

الجدل يدور اليوم حول ضغوط منظمات إسلامية راديكالية لتغيير ثقافات المجتمعات الأوروبية.

فمثلا ظهرت في شرق لندن، الثلاثاء، إعلانات جماعة «الإمارة الإسلامية» تحذر من القمار وبيع المشروبات وارتداء أزياء غير إسلامية في «مناطق تطبيق الشريعة الإسلامية» لا القانون البريطاني، والتهديد بتطبيق الحدود على المخالفين.

ألا يثير ذلك رد فعل البريطانيين العاديين، ناهيك عن اليمين المتطرف الذي يرى في بعض من رسالة برييفيك ما يعبر عن قلقه اليومي، من «الغزو الثقافي الإسلامي»؟!

وماذا عن تخمين المسؤولين الأوروبيين لرد عنيف للمتطرفين الإسلاميين عما قد يرونه معاديا للإسلام؟!

مدارس تلغي تقليد 800 عام بمنع المسرحية التقليدية عن ميلاد السيد المسيح، خشية استفزاز المسلمين، مما يثير غضب أولياء الأمور وحنق أطفال فقدوا متعة تلقي هدايا أعياد الميلاد من بابا نويل.

المستشفيات البريطانية تفصل ممرضات علقن صليبا، رغم أن التمريض ابتدعته راهبات الكنيسة، فلقب الممرضة sister كلقب الراهبة، بينما تنتهك لوائح طهارة المستشفيات، التي تمنع ارتداء الملابس الفضفاضة وكرافات الأطباء لمنع نقل العدوى، بالسماح لممرضات باكستانيات بارتداء حجاب فضفاض.

عندما نشر المستشار الصحافي للمعهد البريطاني مقالا في «التلغراف»، باسم مستعار، داعيا المؤرخين إلى مناقشة دعوة الإسلاميين لتحويل أوروبا إلى خلافة إسلامية، قائلا إن العرب غزوا عسكريا ما كان أراضي لمسيحيين قبل 13 قرنا، فصله رؤساؤه اتقاء لغضب المسلمين، مبررين ذلك بلائحة 1936 للوئام الاجتماعي التي تمنع نشر ما يستفز طائفة لارتكاب أعمال ضد بقية طوائف المجتمع.

في الوقت نفسه تتجاهل الإدارات الليبرالية واليسارية في الحكومات المحلية اللائحة نفسها عندما ينظم الجهاديون مسيرات الكراهية ضد «بريطانيا».

البوليس يغلق الطرق أمام المساجد يوم الجمعة ليفترش المصلون الرصيف، ويحمي خطباء، كأبي حمزة المصري، في دعوتهم لكراهية سكان البلاد الأصليين، كحق المسلمين في حرية التعبير وفق قانون لا يعترفون به في الخطبة التي يلقونها!

الغالبية العظمى من البريطانيين مستاؤون (الصحف التي تعبر عن الاستياء توزع ثمانية أضعاف صحف اليسار الليبرالي)، لكن الإنجليز ببرود الأعصاب وطابعهم المتسامح يتجاهلون استفزازات مثل مهاجمة الجهاديين لجنازات جنود ماتوا في أفغانستان، فلم يناد بريطاني واحد بتقليد الفرنسيين بمنع البرقع مثلا.

البلدان التي بلا تاريخ إمبراطوري تعددت فيه الأعراق والثقافات (كالإسكندنافية التي لم تعرف ثقافات أجنبية إلا حديثا) لم تعرف تاريخيا التسامح مع أئمة مساجد يخطبون بكراهية غير المسلمين كل صلاة جماعة.

النتيجة ارتفاع نسبة أصوات اليمين في المقاعد البرلمانية (كحزب الشعب الدنماركي) كرد فعل لراديكالية بعض المهاجرين المسلمين. ردة الفعل قد تترجم لقوانين معادية للمسلمين استجابة لضغوط الناخبين. فلائحة البناء المعماري السويسرية مثلا عدلت لمنع بناء المآذن.

مواقع الإسلاميين وخطبهم تنشر استراتيجية لتحويل أوروبا إلى خلافة إسلامية. والإعلان لا يقتصر على الجهاديين فقط، فلم أصادف مسلما، يعارض فرض الثقافة الإسلامية على المجتمع الأوروبي متجاهلا الحق التاريخي لسكان البلاد الأصليين. وسواء كان المسلم سائق تاكسي، أو نادلا، أو موظفا مثقفا، ما يصادف من يعتبره مسلما مثله إلا ويعبر عن تأييده للأجندة الإسلامية التي تستفز سكان البلاد الأصليين.

المعتدل من المسلمين تجده صامتا. فلا يعبر «معتدل» علنا عن رفضه لخطاب الجهاديين بأسلمة أوروبا.

المقلق احتمال وجود مجانين كبرييفيك بنزعات قومية متطرفة (يدعمها هوس ديني) ربما يقلدون عنفه.

فلو استهدفوا غيتوهات المسلمين لكانت كارثة المدى القصير، أما إذا التزموا باستراتيجية برييفيك مستهدفين المؤسسات العامة التي يرونها تضحي بمصالح دافعي الضرائب من السكان الأصليين حفاظا على مشاعر المسلمين، فستكون كارثة المدى الطويل أفدح.

الرأي العام قد يرد بانتخاب أحزاب في برامج «تطهير المجتمع من الثقافات الدخيلة»، أو ببرامج تقلد دعوة الجهاديين بفرض الجزية على غير المسلمين في ديار الإسلام، وذلك بفرض ضرائب باهظة (أو قوانين طائفية) على المسلمين الذين يرفضون الاندماج في ثقافة المجتمع الأوروبي.

وهنا يكون جنون برييفيك قد دفع باستراتيجيته للنجاح على المدى الطويل بمساعدة المسلمين أنفسهم.