الأسد: لا عودة إلى دمشق!

TT

في سوريا ثورة ضد نظام ستاليني أرساه الرئيس الراحل، حافظ الأسد، قبل أربعة عقود، ثم أورثه لابنه الرئيس الحالي، وهذه الثورة تتوسع أسبوعا بعد أسبوع في المجتمع السوري، وتتجذر في وعي الشعب السياسي.

فقد انتهت مرحلة من عمر النظام بشكل حاسم.

لا بل إن ثمة من يعتقد أن النظام في سوريا نفسه قد انتهى، وهو يعيش بالدم والمجازر التي يرتكبها في حق شعبه حشرجات الموت. يقاوم النهاية المحتومة، ويحاول أن يرفع من ثمن رحيله، لكنه راحل مهما بلغت مستويات القتل. فمع كل سوري حر يقتل يقوم النظام بقتل نفسه قليلا.

فلا أفق لحمام الدم، ولا أفق للتحايل على حركة التاريخ التي تسير في الاتجاه المعاكس.

في البداية، أي في منتصف مارس (آذار) الماضي، كنا نظن واهمين أن ثمة عقلا راجحا بين أركان النظام. وكنا نتوهم أن بشار الأسد نفسه، على الرغم من التجارب السيئة المخيبة معه في لبنان، يمكن أن يكون أقل تهورا وأكثر حكمة في بلده.

كنا نظن أنه سيكون أكثر حرصا على دماء السوريين الأحرار من حرصه على دماء الاستقلاليين اللبنانيين. وكنا نظن أنه سيكون أكثر دراية بما تشهده المنطقة من تحولات، على عكس ما قرأه في خريف 2004، عندما رمى بنفسه في مواجهة اللبنانيين والمجتمع الدولي، بعد اغتيال رفيق الحريري وبقية شهداء ثورة الأرز. كنا نظن أن الأسد الابن مع خروجه من مرحلة العزلة التي فرضتها عليه سياساته في لبنان سيكون أكثر حكمة في التعامل مع حقوق السوريين الذين ما طالبوا إلا بالحرية والكرامة. والحق أننا كنا واهمين لمجرد أنّا ظننا للحظة أن التغيير في سوريا يمكن للأسد الابن أن يقوده.

والآن وصلنا إلى نقطة اللاعودة في سوريا.

فالبلاد لن تعود إلى ما كانت عليه قبل الخامس عشر من مارس (آذار)، والنظام لن يسيطر عليها بسياسة العصا الغليظة، بل إنه سيدفع بسوريا نحو الهاوية، وفي كل الأحوال فإن النظام سيسقط. وأما الأسد الابن فقد فوت على نفسه فرصة لا تعوض.

وكما خرج من لبنان في 2005، فإنه سيخرج غدا من دمشق ليفقد «إرثا» لم يحافظ عليه كرجل دولة.

نقول هذا الكلام ولا نجافي الحقيقة على الأرض التي تشير إلى أنه في الأيام القليلة الماضية بدأت النخب المهنية في سوريا بالانضمام إلى الثورة.

فمن محامي السويداء الذين يُخرِجون مع منتهى الأطرش وأصدقائها، النظام من جبل العرب، يتحرك محامو حلب وأطباؤها، كما يتحرك أقرانهم المحامون والأطباء في قلب العاصمة دمشق، حيث يفترض أن تكون قبضة النظام أقوى وأشد تحكما بمسار الأمور. هذه إشارات مشجعة جدا على أن النخب المهنية تمثل واجهة الطبقة المتوسطة، وهي عصب المجتمع السوري، وبخروج هذه النخب على النظام ستتوسع مروحة الثورة أكثر وأكثر.

إن سوريا تتغير وستتغير، والشعب يرسم مستقبله بالدماء التي يقدمها على مذبح الحرية والكرامة.

أما النظام، فإنه يتراجع شيئا فشيئا ليصير جزءا من الماضي.

* كاتب لبناني