وللقراء حقوقهم، وأقلها أن أهنئهم بحلول هذا الشهر المجيد، رمضان المبارك، بكل ما سيحمله لهم من روحانيات وذكريات وأطايب الحيوات وفرص للتوجه لله تعالى والاستغفار له عن هفواتهم وذنوبهم. إنه شهر الأفراح التي تدخل في قلب كل مسلم. ومن أفراحه الفوازير والمداعبات البريئة التي تخطر في نفوس الظرفاء والشعراء وتنطلق من ألسنتهم وأقلامهم. ففي ما يبتهج المسلمون بقدوم شهر رمضان المبارك ويستأنسون بلياليه وأفراحه، هناك طبعا من يشق عليهم واجب الصيام وأتعابه. حتى قال أحد الظرفاء عندما سألوه: في أي يوم من الأيام تفضل أن تموت؟ فأجابهم: إذا كان ولا بد ففي أول يوم من شهر رمضان. ونظر رجل إلى القمر في أواسط الشهر الشريف فتمتم قائلا للقمر: أراك سمنت وأهزلتني، وما أرى من ورائك غير السل والإتعاب. وأبلغوا رجلا ظريفا باقتراب شهر رمضان فقال: «والله لأقطعنه بالسفر». وأتذكر أنني في بغداد مررت بمطعم علقوا على بابه هذه اليافطة التي تقول: «احتراما لشعائر رمضان المبارك هذا المطعم مغلق. يرجى الدخول من الباب الخلفي».
وكثيرا ما يأكل البعض بالغلط سهوا أو تغالطا. يروي الأبشيهي صاحب «المستطرف في كل فن مستظرف»، فيقول إن رجلا جاء إلى فقيه يسأله. قال: أفطرت يوما في رمضان. فأجابه قائلا: اقض يوما مكانه. قال: قضيت، وأتيت أهلي وقد عملوا مأمونية فسبقتني يدي إليها، فأكلت منها. فقال: اقض يوما آخر مكانه. قال: قضيت، وزرت أصحابي وقد عملوا هريسة لذيذة فسبقتني يدي إليها، وأكلت. فقال له الفقيه: أرى ألا تصوم إلا ويدك مغلولة إلى عنقك. ويظهر أن الشاعر اللبناني جعفر الأمين قد استثقل وصاحبه نور الدين بدر الدين أعباء الصيام، فبعث إليه بقصيدة طويلة بالمناسبة وقد اقترب الشهر المجيد من نهايته فخاطبه قائلا:
يا من بدنياه استخف فعدها
ثوبا معارا لا يدوم لمرتدي
وانساق خلف صلاته وصيامه
متبتلا يرجو الشفاعة في غدِ
اهْنَأْ فشوال أَطَلَّ هلاله
وافرح بمقدمه السعيد وعيِّدِ
وارْتَحْ فنفسك قد أَطَلْتَ عناءها
بتضرع وتهجد وتعبد
ماذا عليك إذا فككت عقالها
ورحمتها بعد الصيام المجهد
وأذقتها بعض الذي ستناله
يوم القيامة في النعيم السرمدي
ولها الرصيد الضخم عند إلهها
نهر من اللذات عذب المورد
فاطلب لها منه لعبد سلفة
وعلى الحساب كما يشا ليقيد
وانْعَمْ ولو بالعمر يوما واحدا
وأَدَرْ قفاك لعاذل ومُنَدِّدِ
واستثقل الشاعر الصيداوي مصباح رمضان وقع الصيام عليه، فكتب بيتين من الشعر إلى زميله عارف الزين يستفتيه في الإفطار قائلا:
ولست بفاطر إلا بفتوى
صديقي «عارف الزين» الأريب
فطمت عن الطعام فهل سمعتم
بمن فطموه في سن المشيب