تجارة الرق وصناعة العفة

TT

كل ما نعرفه - جنابك وأنا - هو ما نسمعه على التلفزيون وما نقرأه في الصحف. إذا كان هناك ما لا نعرفه، فهو عند قضاة نيويورك، ورئيس البنك الدولي السابق، دومينيك ستروس - كان، والسيدة الغينية العاملة في فندق «سوفيتل» في نيويورك، المعروفة باسم نافيساتو ديالو. أولا، دعنا لا نؤيد المسيو دومينيك، لأن من الظلم عدم تأييد الضحية. ثانيا، دعنا نضع في الاعتبار أن المتهم بالاعتداء رجل عالمي ثري وذو نفوذ، وأن صاحبة الشكوى مهاجرة أفريقية مسكينة لم تبت دائرة الهجرة في طلبها حتى الآن. لا مجال ولا حاجة، إذن، لأن أسألك: إلى جانب من أنت؟

ثم إن للمدعو دومينيك ستروس - كان سوابق كثيرة، في بلده فرنسا وفي سواه وفي معظم الفنادق التي يحل فيها. لا أسباب تخفيفية، كما يقول القانون. لكن ما دمنا قد أخذنا هذه العناصر في الاعتبار، فلا بد أن نأخذ غيرها أيضا، من أجل أن تكون لدينا «قضية»، في لغة القانون. وفي الحقائق الأخرى أن تجارة الرقيق في الغرب أصبحت أكثر بساطة بكثير من تجارة البطاطا، لأنه ليست هناك رقابة على نوعية البطاطا، الذي هو أكثر صعوبة وتعقيدا هو صناعة العفة. وأعتقد، بتواضع، أن الآنسة نافيساتو (نفيسة) رأت فرصتها الذهبية في الانتقال إلى صناعة العفة، بمساعدة مدير أميركي محترف، وعدها بالثروة ووعد نفسه بالملايين. لذلك رأينا الآنسة نافيساتو تبيع قصتها أولا لشبكة «ABC» ثم لمجلة «نيوزويك» المشرفة على الإفلاس. وغدا سوف تبيع القصة لفرنسا ثم لإيطاليا ثم للصحف الأفريقية.

ولو كنت مكان الكهل ستروس - كان ولي معرفة بالمال الدولي، لصنعت من الاعتداء، حقيقة أو مزعوما، ثروة لا مثيل لها.. عقدت عقودا بالملايين مع الصحافة التافهة، واخترعت السيناريوهات، ورويت القصص عن محاولة نفيسة الاعتداء علي ومهاجمة طهارتي والتمادي في إغراء رجل كهل مثلي، ولزعمت أن في المسألة مؤامرة دولية يشارك فيها أعدائي في حملة الرئاسة وخصومي في رئاسة البنك.

أنا شخصيا آسف.. لكن إذا كانت المسألة مسألة أخلاق، فلا فرق هنا بين تجارة الرقيق وصناعة العفة. هذه حقيقة يعرفها كل من يعيش أو يمر في بلد غربي، حيث يتحرك القانون الميت مثل الواقعين في غيبوبة. الذين يرونه يحرك أجفانه يصدقون وهو أيضا يصدق، لكن الفرق بين الحياة والموت هو كالفارق بين عادات ستروس - كان واستثناءات نافيساتو ديالو. وإذا كنت مخطئا فلا اعتذار عندي، لأنني مصر على أن الخطأ والحقيقة شيء واحد في هذه الحال.