مجهول في مجهول!

TT

سمعت فجأة أنه قد وصل إلى مكان لا يعرفه أحد.. ذهبت إلى مكتبه قالوا: إنه في إجازة.

وفي البيت يقولون إنه في إجازة.. ولكن إجازته طالت.. وفي الشهر الثاني شاهده بعض الناس في مكان بعيد.. وفي الشهر الثالث عرفت أنه ألقى محاضرة موضوعها.. «الأخلاق عند بعض الحشرات».. العنوان غريب.. والموضوع غريب.. وإذا عرفنا أنه تخرج في كلية الهندسة وأنه لا علاقة له بالحشرات ولا بعادات الحشرات ازدادت دهشتنا!

ولما ذهبت إلى زوجته أسألها تفسيرا لكل هذا.. وجدتها أكثر مني دهشة.. ولكن عندما نظرت إليها اعتقدت أنها تعرف شيئا ما.. ولاحظت الزوجة أنني أريد استدراجها في الكلام.. ولم أضيع وقتي.

قالت: إنه صديقك.. وأنت تعرفه قبل أن أعرفه.

قلت: أعرفه.. هذا صحيح.. ولكن مقدمات هذه الإجازة والغياب الطويل.. وحرصه على ألا يعرف أحد حتى أنت.. ونشاطه الغريب.. كل هذا يدل على شيء!!

قالت: أنت تعرف أنه شاذ.

وأحسست أن هناك شيئا.. وأحسست أن زوجته تعرف كل التفاصيل ولكنها لا تريد أن تقول شيئا.. وعرفت منها عنوانه.

وزوجته هذه سيدة طويلة.. شقراء ممتلئة.. وفي عينيها خبث وعناد.. وهي من النوع الذي لا يعدل عن رأيه.. ولا يقتنع بأي رأي آخر.. وأنا لا أنسى كيف أنها عندما تزوجت أصرت على ألا تصالح والديه!! مع أن أحدهما مريض.. وأنه قطع رحلة طويلة لكي يلقي عليها نظرة ويبارك هذا الزواج.. ولا أنسى أنها أصرت على أن أسير معها هي وزوجها في ساعة مبكرة من الصباح.. رغم أنني كنت متعبا.. وعرفت السبب فيما بعد وهو أنها تحاول أن تتفادى الكلام مع زوجها لأنهما اختلفا منذ أول ساعة.. وكان الخلاف سياسيا ثم انتهى إلى تفضيل نوع من الكلاب على نوع آخر.. وانتهت المناقشة إلى أن والدته أحسن من والدتها من ناحية الذوق في الملبس وأنها صاحبة أجمل وأطيب ابتسامة وأصدق ابتسامة! وكان رد الزوجة: لا توجد امرأة لها ابتسامة صادقة!

وكان رد الزوج: إذن ابتسامتك لم تكن صادقة.. يوم نظرت إلي في الأتوبيس كان كذبا!!

واختلفنا.. وكان لا بد أن أبقى لأحمي هذا الزوج من الفضيحة وكانت هي صاحبة هذه الفكرة العنيدة.. ومن أجل صديق بقيت!

فهي من هذا الطراز من الناس الذي يحشو رأسه بالطوب والحجارة!

وقررت أن أذهب إليه بنفسي ودون أن أخبر أحدا.. ولا حتى هذه الزوجة.