فلا كعبا بلغت ولا كلابا

TT

في أواخر سنة 1903 استفتى جماعة من المسلمين في جنوب أفريقيا المرحوم الشيخ محمد عبده في لبس القبعة وأكل لحم العجول التي تذبح بشج رأسها بالبلطة فذكر أنه لا حرج في ذلك. وكان يومذاك مفتيا للديار المصرية، فقام عليه بعض العلماء المخالفين لرأيه في الإصلاح الديني في الأزهر خاصة وحملوا عليه حملة شعواء.

وكانت جريدة «الظاهر»، لصاحبها محمد بك أبو شادي، في طليعة الصحف المثيرة للفتنة على الشيخ المفتي وأنصاره بسبب تلك الفتوى، وإلى القارئ نبذ من كتابات أبو شادي قال:

«أتعبنا الجاهلون كثيرا، وأصبحنا معهم كمشعلي المصابيح في زوايا العميان. وكأن قد ران على قلوبهم فلا يفقهون ولا يعقلون. وكلما صابرناهم ازدادوا تعنتا وطغيانا وأغرقوا في الشطط واجتراح الخطايا، فتراهم يرموننا بالجهل وهو بعض صفاتهم.

رحماك يا ابن عبد الله فقد أصبح دينك عرضة للسفهاء والخاطئين الذين تبجحوا في نسبة أنفسهم إليه حتى جعلوه مضغة مرة في أفواه أعدائه فأهانوه. ومزقوا جلباب الشرف والأدب وانتهكوا حرمات الفضيلة والعلم. فرحماك أيها الرسول القائل: (أدبني ربي فأحسن تأديبي) فلا يزعجن روحك الطاهرة تهاتر السفهاء وتطرف أهل الخطايا الذين طرحوا دينك وآدابه خلف ظهورهم وتناسوا كل شرف وأخذوا يقرضون عرض من قام بالدفاع عن شريعتك وتقرير مبادئها القويمة. رحماك فقد تجمعت فئة لا خلاق لها وتطوعت في خدمة المفتي أو هي مأجورة للدفاع عنه فأخذت تنهش الأعراض وتنتهك الآداب. وتطوف على السفلة في أحقر المنتديات لاستئجارها في سبيل ممقوت هو إقامة البرهان على أنهم سفهاء نأت عنهم الأخلاق الفاضلة وانتبذتهم التربية الشريفة فغمسوا أنفسهم في حمأة الشر والخطايا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا».

تخيلوا هذا الكلام يقال وبمن؟! إنه يقال بالشيخ محمد عبده، وهو الذي لم تنجب مصر في تاريخها الحديث رجل دين في علمه وسماحته ونظرته المستقبلية الصائبة.

وكل هذا الهجوم العنيف الذي يكاد أن يخرج الإنسان من الملة بسبب ماذا؟! إنه (يا لوعتي يا شقايا) بسبب (لبس قبعة وذبح عجول)!! وكأن مصير أمة الإسلام قد توقف عند هذه المعضلة (التافهة المضحكة).

وللأسف فإن التاريخ ما زال يعيد ويكرر نفسه، وهانحن نقرأ ونشاهد ونسمع كلام (مطعطعين ومتشنجين) ممن يُحسبون على رجال الدين، فيتصدون بكلام ما أنزل الله له من سلطان، فيضيقون على الأمة بأمور ثانوية أصبحت تحصيل حاصل نتيجة لتطور واختلاف الزمن الذي جلب وسائل الحضارة التي لا بد أن نتعايش معها سواء شئنا أم أبينا، ما دامت تلك الأمور منافعها واضحة، وهي لا تتعارض مع الخطوط العريضة للإسلام بأركانه الخمسة - وأشدد بأركانه الخمسة.

أحيانا أقول: ما لي أنا وما لهذا الكلام وهذه المواضيع التي (تسم البدن)؟! وخير لي أن أعود إلى شطحاتي التي تشبه المهاترات، (فلا كعبا بلغت ولا كلابا).

[email protected]