لهذا لم تحبه العرب

TT

في معرض الدفاع عنه قال الأخ قائد الثورة إن الرئيس حسني مبارك كان يأتي إلى الجماهيرية «ليشحت» منه، من أجل المصريين. هذه طبعا أكثر لياقة من قول النجل سيف الإسلام عن بعض أصدقاء الأمس: «كانوا يجيئون إلى هنا ليلعقوا أحذيتنا». لكن المسألة ليست في «الشحاتة» وإنما بأي صفة كان الأخ قائد الثورة يصرف الملايين للرئيس المصري، بينما راتبه 400 دولار، ولا مسؤولية له ولا موقع ولا منصب. لا نستطيع أن نتخيل أن في إمكان أي رئيس دولة أن يشحت من الملكة إليزابيث الثانية، زميلة الأخ قائد الثورة في المناصب التي لا صلاحيات لها ولا نفوذ، ولا أزلام ولا كتائب.

غريب التاريخ العربي. نحن الشعوب الوحيدة التي يسمى فيها الحاكم قائدا، وكأنما الجميع قطيع. أذكر في الحرب اللبنانية أنني شاهدت مؤتمرا صحافيا للدكتور سمير جعجع وخلفه صورته وعليها كلمة واحدة: القائد! وانفرجت أساريري. أخيرا، استعربت «القوات»، وهذه بداية واثقة نحو التعريب الكامل: قطيع بالملايين وقائد واحد.

لن نعرف الأرقام الحقيقية لخسائر ليبيا في المال والبشر والوقت، لا اليوم ولا بعد أربعين عاما. لن نعرف عدد القتلى من الذباب والجراثيم والجرذان. ولا أعداد المشردين ولا خسائرهم. كل ما نعرفه أن ليبيا تتهدم برا وبحرا وجوا، والأخ قائد الثورة صامد. هل تقبل أن يقتل مائة إنسان من أجل أن تبقى أنت؟! كم يجب أن تفقد الدولة من البشر لكي تقتنع، بأن الوطن «شركاء لا أجراء»، وبشر لا لجان، وحكم القانون لا حكم الشعب!

يتذكر المرء، على مدى هذه السنين العبثية القانية والمليئة دمارا وموتا وظلما وتماديا في الظلم، يتذكر موقفين ورجلين: عبد الرحمن عارف وسوار الذهب. قال عارف، الطيب والبسيط، لا تقتلوا ولا تَقتلوا ولا تُرسلوا إلى القبور المزيد من الرجال. دبروا لي طائرة تنقلني إلى بلد مسلم، وخذوا الحكم والسلطة والدبابات والسجون وجميع آلات الذبح.

عندما دخلت «العربية» منزل عبد الرحمن عارف بعد سقوط صدام حسين ومعه سقوط 48 قصرا، رأينا بيتا مثل بيوت أساتذة المدارس في القرى. بهو صغير وجدران باهتة وأثاث من صنع نجار الحي. وعندما أعلنت وفاة عبد الرحمن عارف لم يمش في جنازته أحد. العرب لا يحبون رجلا لم توغل سواعده في الدماء.