من أجل رجولة أصح!

TT

ذهبت إلى صديق وتوقعت أن أراه مريضا.. فهو يكره المرض.. ويكره أن يراه أحد من الناس مريضا.. وخصوصا زوجته.. إنه يرى في عينيها الشماتة.. ويرى في عينيها الخوف من العدوى.. ويرى في عينيها الندم على زواجها من رجل غني عجوز.. ويرى في عينيها التربص وانتظار الفرصة التي يموت فيها لتنتقل هي إلى قريتها لتعيش مع أمها وتتزوج ابن خالتها الشاب الذي أقسم أن يتزوجها يوما ما.. وأيدت أمها هذا القسم.. ويرى في عيني زوجته الضيق الشديد من كل أصدقائه.. ومن زوجات أصدقائه اللاتي يؤكدن دائما أنه خسارة في هذه السيدة المغرورة وأن هناك الملايين من الفتيات يتمنين الزواج منه.. لشخصه لا لأمواله!

وخطرت لي فكرة أزعجتني.. هي أنني قد لا أجده.. ولكني وجدته.. فتح لي الباب وعانقني.. وهو يقول: كنت أتوقع أن تجيء.. ولا داعي لأن نضيع الوقت هيا بنا.. ولم أفهم.. ولكنه سحبني من يدي إلى غرفة كبيرة.. وعلى جدران الحجرة وجدت أوراقا معلقة.. واقتربت من بعض الأوراق المكتوبة بخط يده.. ولم أفهم.. كلها مكتوب عليها: زرع.. درس.. أكل.. شرب.. هرب.. لم أفهم.. سألته. قال: كان والدي يقول لي دائما كلمة لا أنساها: طفولة بائسة ورجولة أكثر بؤسا.. لم أفهم أيضا وسألته: ماذا تعني؟ ماذا حدث؟ لماذا هربت؟ ماذا تعمل؟ وكم شهرا ستبقى؟ وهل ستعود إلى زوجتك؟

وأترك صديقي يروي ما حدث فهو أقدر مني على الكلام.. وهو ألطف وأكثر مرحا.. قال: لأسباب غير مفهومة اقتنعت بزوجتي وكان لا بد أن أتزوجها، لقد أقنعتني زوجتي أنها بفضل أموالي ستؤسس محلا نموذجيا لبيع المأكولات والمشروبات والملابس والكتب.. لأسباب لا أعرفها عدلت زوجتي عن هذا المشروع.. وعرفت أخيرا أنها ترى في هذا المشروع تبديدا للأموال. وسألته: ولكن ماذا تنوي أن تفعل هنا؟ قال: في نيتي أن أعطيها حريتها.. لتختار الرجل الذي يعجبها.. إنها لم تحبني أبدا.. وإنما هي رأت في حياتي وفي أهلي الشيء الذي لم تجده في أهلها.. فنحن أغنياء.. وأبي وأمي طيبان سعيدان..لا صراخ.. لا دموع.. فكان زواجها مني.. زواج فتاة هاربة.. لاجئة ولكن عندما هدأت اللاجئة.. عاودتها مخاوفها القديمة.. فقررت هي دون شعور منها أن تهرب مرة أخرى! وقلت: ولكن ما علاقة هذا بهربك أنت إلى هنا؟

قال: لعلك لا تعرف أنني كنت مشغولا بالتأليف طول عمري.. وأنني ألفت كتبا كثيرة لم يقرأها أحد ولم يرها أحد!

وازداد الموقف غموضا وقلت: بصراحة لم أفهم شيئا مما تقول!

قال: لا بد أن تفهم لأننا سنعمل معا.. هذه الكتب كلها عن الطفل وتربية الطفل.. فكما قال والدي: إن الرجولة التعيسة لا تخلقها إلا الطفولة التعيسة! إنني أهدف إلى طفولة أحسن.. أسعد.. أجمل.. من أجل رجولة أصح وأنضج!