هل سيقرأ المرشد الأعلى رسالتك؟

TT

كتب صديقي العزيز رضوان السيد خطابا مفتوحا إلى المرشد الأعلى آية الله خامنئي نشر في صحيفة «الشرق الأوسط» بتاريخ 22/7/2011. بعد قراءة الخطاب حدثت نفسي متسائلا: «ترى ماذا سيكون رد خامنئي على الخطاب؟». وجدت الإجابة عن هذا السؤال في بعض التعليقات التي نشرت على الموقع الإلكتروني لصحيفة «الشرق الأوسط» هي كما يلي:

المنديل الأبيض، «فرنسا ميتروبولتان»، 22/07/2011

‎(هل سيقرأ رسالتك المرشد الأعلى؟ أتمنى أن يقرأها وألا تأخذه العزة بالإثم، والله إذا هو يؤمن بأن الله حق ويعرف دين الله فإنه سيراجع نفسه مرة ومرتين، والله إني انصدمت من هذا النظام وما يفعله، وأسأل نفسي وأناجي رب العالمين هل ما يحدث له صلة بالإسلام وما يرجع إليّ إلا جواب واحد، وهو «سَيَعْلَمُونَ غَدًا مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ»).

يبدو لي أن تعليق القارئ «المنديل الأبيض» خطاب آخر مفتوح موجه إلى آية الله خامنئي، الذي من الواضح أنه لن يقرأه، وحتى إذا فعل، فلن يفهم الرسالة، وحتى إن فهم الرسالة، فستقول الدائرة المقربة المحيطة به، أي قوات الأمن، بالتأكيد، إن رضوان السيد عميل لأميركا وإسرائيل وإنه ضد ولاية الفقيه وحسن نصر الله. دعني أخبرك بأن خطابا مفتوحا آخر نشر في صحيفة «النهار» يوم الاثنين الموافق 24 يوليو (تموز). وقد وجه راجح خوري الخطاب إلى بشار الأسد وجاء فيه:

‎«ربما لهذا يحتاج الأمر سيدي الرئيس إلى انقلاب منك (عليك). هذا الأمر قد لا يكون ضمنا خافيا عليك. ليس خافيا عليك أيضا أن الحل الأمني باتت أضراره أكثر من فوائده، وخصوصا بعدما اجتازت الأمور كل هذه المسافة من الآلام والجروح والكراهيات وحتى الأحقاد التي يعاد نبشها من جديد».

يبدو من الجلي أن بشار مثله مثل خامنئي لن يرد على خطاب راجح خوري. ومع ذلك، يتسم هذان الخطابان بأهمية تاريخية كبيرة. مما لا شك فيه أن الأنظمة الاستبدادية سوف تنهار في النهاية، فنظام ستالين كان أكثر عتوا من النظام الإيراني أو السوري. لكن ماذا كانت نهاية الحاكم الذي كان يعتقد أن الموت هو حل كل مشاكل البشر. فقتل المعارضين كان بمثابة العصا السحرية التي استخدمها ستالين. لكن كيف يعرف أعداءه؟ كان ستالين يعتقد أن كل من ينتقده ومن لم يقدره هو عدو له. من كان ستالين؟ إنه سؤال مذهل. يتذكر أرتيمون سيرغيف، ابن ستالين بالتبني، قائلا إن ستالين صاح ذات يوم في وجه ابن زوجته فاسيلي بسبب إساءة استغلال اسم أبيه. ورد عليه فاسيلي قائلا: «لكنني من عائلة ستالين». وأجاب ستالين: «لا، ليس صحيحا. إنك لا تنتمي إلى العائلة ولا أنا ستالين. ستالين هو القوة السوفياتية، ستالين هو الذي يظهر في الصحف والصور. إنه ليس أنا ولا أنت». ما أريد قوله هو أن هناك خامنئي آخر وبشار آخر لا يسمحان لخامنئي وبشار بالرد على الخطابات المفتوحة.

يبدو هذا الموقف معقدا إلى حد ما. أعني أن قوات الأمن ووسائل الإعلام يقدمون هوية أخرى لقادة مستبدين، فستالين هو ستالين الذي كان يعتقد أنه ستالين آخر يمثل روح الاتحاد السوفياتي. كان جوهر تلك السلطة هو الخوف والرعب. في مرة من المرات كان آية الله خامنئي يقول إنه مثل علي خامنئي في خدمة الولي الفقيه، لذا علي إطاعة أوامره، أي إن هذا هو جوهر القوة المطلقة، حيث نرى أن هناك فجوة واضحة بين الواقع والخيال. وقد قال أينشتين: الخيال أهم من المعرفة. لكن في هذه الحالة الخيال أقوى من الحقيقة.

أعني بذلك أن هذا الخيال الغريب لم يتح لي قراءة الرد على خطابي رضوان السيد وراجح خوري. هناك رسالة في غاية الأهمية تحملها الآية القرآنية الكريمة التي اقتبسها المنديل الأبيض في تعليقه، حيث كتب:

أتمنى أن يقرأها وألا تأخذه العزة بالإثم! عندما تقدم لك النصيحة تتكبر وتتغطرس وتثور وتفور، وكأنك بركان ثائر لا تتقبل النصيحة، لا تعترف بالخطأ، لا تقتنع إلا بالمديح والثناء، قال تعالى: «وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ» (البقرة: 206).

هذه صفة الكافر والمنافق الذاهب بنفسه زهوا، ويكره للمؤمن أن يوقعه الحرج في مثل هذا.

وقال عبد الله: كفى بالمرء إثما أن يقول له أخوه: اتق الله، فيقول: عليك بنفسك، مثلك يوصيني؟!

والعزة: القوة والغلبة، من عزه يعزه إذا غلبه. ومنه: «وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ». وقيل: العزة هنا الحمية.

‎ومنه قول الشاعر:

‎أخذته عزة من جهله

فتولى مغضبا فعل الضجر

يقول الماوردي في «النكت والعيون»:

‎قوله تعالى: «وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ» فيه تأويلان:

‎أحدهما: معناه دعته العزة إلى فعل الإثم.

‎والثاني: معناه إذا قيل له اتق الله، عزت نفسه أن يقبلها، للإثم الذي منعه منها.

أود أن أروي واقعة حزينة مريرة في سوريا. هذه الأيام يعرف كل شخص في سوريا إبراهيم قاشوش ويتذكر صوته. لقد اعتاد الغناء من قلبه، وقد غنى في المظاهرات الضخمة في حماه، لكن بعد المظاهرات تم إلقاء القبض عليه ونحرت قوات الأمن عنقه وقطعوا لسانه. إنه تفسير لـ«أخذته العزة بالإثم».

بالنسبة إليّ، لن نشهد أي رد على هذه الخطابات المفتوحة، بل وأيضا سوف يتم قذف رضوان السيد وراجح خوري بأقذع الألفاظ والشتائم من خلال الإعلام الرسمي للنظامين الإيراني والسوري بسبب بنية النظامين وأسلوب حكمهما. يعتقد كل من القائدين السوري والإيراني، أو على الأقل يزعمان، أنهما يمثلان الحقيقة المطلقة. فضلا عن ذلك، استنادا إلى الوضع الديني للولي الفقيه، يعد آية الله خامنئي ممثل الإمام المهدي، ومسؤوليته تشبه مسؤولية الإمام أو النبي.

عزيزي رضوان السيد، كان رسولنا الكريم يستمع إلى الجميع ويرد عليهم، لذا كان البعض يصفون الرسول بـ«الأذن»، وقد أكد القرآن على ذلك، فتقول الآية الكريمة: «وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ» (التوبة: 61).

لكن حكامنا ألسنة لا آذانا، بمعنى أن ما وجهتموه إليهم من خطابات لن يؤثر عليهم ويجعلهم يعيدون النظر في مواقفهم على سبيل المثال. إن الأمر مثل التحدث إلى جدار أصم!