أما آن لمصرفيي أميركا التعلم من أزمة الرهن العقاري؟

TT

تصلح أزمة الرهن العقاري لأن تكون درسا يمكن أن تتعلم منه المصارف، لكن بعض المصرفيين يرفضون التعلم من الأخطاء، ومنهم مصرفيون في الرهن العقاري. إن هذا القطاع المصرفي يقاوم قاعدة جديدة ربما تمنع تكرار خطأ المبالغة في الإقراض الذي كان من عوامل دفع الاقتصاد نحو الهاوية.

إذا كنت من كوكب آخر، أود أن أقول لك: إن بعض القروض، التي تتسم بجوانب ضارة وجعلت من المستحيل تسديدها، غذت جنون الرهن العقاري الذي شهدته الولايات المتحدة. كان الأمر ممتعا، على الأقل بالنسبة إلى الجهات التي استفادت من منح قروض مشكوك في تحصيلها وبيعها لمستثمرين. لكن الإصلاح المالي من خلال التشريعات المالية التي أقرها الكونغرس العام الماضي تحت مسمى قانون «دود - فرانك» منع المقرضين من منح قروض داخل أميركا قبل معرفة ما إذا كان الناس سيتمكنون من تسديدها أم لا.

ويبدو من المحبط أن نضع تشريعات لأمور بديهية منطقية، لكن هذا هو العالم الذي نعيش فيه. طبقا لقانون «دود - فرانك»، على واضعي اللوائح التنظيمية تحديد مواصفات القرض الذي من المحتمل أن يتم سداده. وتنبع فكرة قانون القروض العقارية من مبدأ التأكد أن المصارف تحصل على ضمانات كافية تمنعها من مخاطر الإفلاس، عندما تدمج الرهون العقارية التي تتضمن مخاطرة مع قروض أخرى خطرة في إصدار سندات وبيعها للمستثمرين.

وكان الاقتراح كما يلي: إذا تضمنت أوراق الرهن العقاري قروضا مضمونة فقط، يمكن للمصارف بيع الحزمة كاملة. أما إذا تضمنت الاستثمارات رهنا عقاريا يشتمل على قدر أكبر من المخاطرة، يجب أن يحتفظ الضامنون بـ5% من الحصة في دفاترهم. ويجب على «وول ستريت» أن تتحمل خسارة وتذوق مرارتها مثلما يتذوق مرارتها الآخرون.

في بداية العام الحالي، اتفق كل من مصرف الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) والمؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع، التي تتولى مراقبة العملة وضمان إيداعات المواطنين في المصارف، ولجنة الأوراق المالية والتبادل، وإدارة الإسكان الفيدرالية وهيئة تمويل الإسكان الفيدرالية ووزارة الإسكان والتنمية العمرانية، على بنود هذا القانون الذي يضمن كفاءة أداء الرهن العقاري. لقد نظر المشرعون في التخلف عن سداد الأنواع المختلفة من القروض وصفات المقترضين لها، ثم دعوا عامة الشعب إلى التعليق على المقترح.

ووجد المنظمون أنه من سمات القروض الآمنة المضمونة دفع أصحاب المنازل مبلغا مقدما يمثل 20% على الأقل من ثمن العقار. من السمات الأخرى عدم تجاوز دين الإسكان 28% من الدخل الشهري للمقترض وألا يتجاوز إجمالي ديونهم 36%. ويوضح المنظمون أن الرهن العقاري الذي يتضمن قدرا يسيرا من المخاطرة ينبغي أن يبدو فظيعا مثل الرهون العقارية التي قدمتها المصارف المحلية قبل أيام من عملية التوريق. وقال المنظمون إن تكاليف الرهون العقارية التي لا تتضمن مخاطر كبيرة لا ينبغي أن تتعدى 3% من المبلغ المقترض.

إن قطاع الرهن العقاري يئن ويتمنى لو نعود إلى أيام أسعار الفائدة المرتفعة والإقراض بلا شروط وقيود. ليس هذا مفاجئا، لكن المفاجئ هو أن المصرفيين المنخرطين في الرهن العقاري يعولون على الحجة المملة ذاتها، وهي أن متطلبات الإقراض الأكثر حكمة وتعقلا سوف تهدم هدف زيادة نسبة تملك المنازل.

وفي خطاب تعليقي أرسل مع المنظمين الأسبوع الماضي، حذر ديفيد ستيفنز، رئيس اتحاد مصرفيي الرهن العقاري، من أن شرطي دفع مبلغ مقدم وتحقق نسبة بعينها بين الدين والدخل «غير ضروريين ولا يستحقان الثمن الاجتماعي الذي سيدفع بسبب حرمان كثير من المقترضين الذين تتوافر بهم الشروط من الحصول على قروض رهن عقاري معقولة تتيح لهم امتلاك منزلهم».

ولم يذكر ستيفنز، الذي تخلى عن وظيفته في شهر مارس (آذار) الماضي كمسؤول لجنة الإسكان الفيدرالية في وزارة الإسكان والتنمية العمرانية، التكاليف الباهظة المرتبطة بالتهور في الإقراض وما سببه ذلك من كارثة مالية لأميركا والعالم. وما زلنا في أميركا نطابق بين الأرقام التي سببتها الديون العقارية، لكن حتى هذه اللحظة ضخ دافعو الضرائب 154 مليار دولار في المجموعة الفيدرالية الوطنية للرهن العقاري. وعانى مستثمرون أضرارا أشد جسامة. لكن خلال مناقشتنا للثمن الاجتماعي، يجب ألا ننسى كيف كان المقترضون من الأقلية الذين يشترون منازل للمرة الأولى هدفا للمقرضين العدوانيين الذين أغروهم بقروض ضارة تتضمن فوائد ورسوما مرتفعة.

وتشير دراسة عن توسيع الفجوة بين الأقليات والأميركيين البيض صدرت الأسبوع الماضي إلى تكاليف الإقراض العدواني. أجرى هذه الدراسة مركز «بيو ريسيرش» المستقل. وأشارت الدراسة إلى أن معاناة قطاع الإسكان كانت السبب الرئيسي وراء التراجع الشديد في صافي نسبة ما يمتلكه الأميركيون من أصول أفريقية والأميركيون من أصول لاتينية من منازل في الفترة بين عامي 2005 و2009. وقد اكتشفت المؤسسة انخفاض متوسط ما يمتلكه الأميركيون من أصول لاتينية بمقدار الثلثين خلال تلك الفترة. وكذلك انخفض متوسط ما يمتلكه الأميركيون من أصول أفريقية بنسبة 53%، بينما انخفض صافي ما يمتلكه البيض من منازل بنسبة 16% فقط. لكن أشار ستيفنز في خطابه إلى أن مصرفيي الرهن العقاري كانوا «يعملون بتناغم مع قاعدة عريضة من ائتلاف لنشطاء في مجال حماية المستهلك ومجموعات حماية الحقوق المدينة ومؤسسات أخرى تعمل في هذا المجال، لتوضيح هذا القانون لصناع السياسة والمشرعين».

ويتساءل المرء عن شعور الناس، الذين خسروا منازلهم بسبب ممارسات الإقراض السيئة، تجاه «المدافعين عنهم» الذين يشكلون تحالفا مع مانحي قروض الرهن العقاري.

كذلك يوضح ستيفنز أن تحديد رسوم الرهن العقاري بـ3%، كما هو مقترح، سوف يضر المقترضين؛ حيث يحد من فرص حصولهم على القرض. وأشار إلى أن الاتحاد الذي يرأسه ضد هذه النسبة المبالغ بها؛ حيث كتب أن الاتحاد «لم ير أي بيانات تؤكد أن الدرجات والرسوم كان لها تأثير على قدرة المقترضين على تسديد القروض». لكن كان قوله مختلفا في وزارة الإسكان والتنمية العمرانية التي تتولى الإشراف على القروض التي تضمنها إدارة الإسكان الفيدرالية.

وأشار ستيفنز، في شهادته أمام الكونغرس في مايو (أيار) 2010، إلى بيانات إدارة الإسكان الفيدرالية خلال 5 سنوات، والتي توضح أن عمليات منح القروض، التي ساعد فيها بائع العقار المقترض في دفع تكاليف تزيد على 3% في إطار ما يعرف بتنازل البائع، شهدت معدلات مرتفعة من التخلف عن السداد.

على سبيل المثال عام 2008 كانت نسبة طلبات الحصول على مبلغ التأمين على القروض من إدارة الإسكان الفيدرالية التي بموجبها يغطي البائعون من 3 إلى 6% من التكاليف التي يتكبدها المشترون، أكبر من الطلبات التي تتضمن تنازلات من البائعين وتقل من 3%، بـ50%. وتضمنت التنازلات الأكبر «حوافز لزيادة القيمة المقدرة» بحسب شهادة ستيفنز. بمعنى أن التكاليف المرتفعة لها عواقبها. لكن رفض ستيفنز التعليق على الأمر بحسب المتحدث الرسمي له.

ويحق لستيفنز بصفته مدافعا عن قطاع التمويل المصرفي للرهن العقاري التعبير عن آراء العاملين في هذا القطاع، لكن من المؤكد أنه ستكون هناك مشكلة إذا حدث تعارض بين آرائه وآراء المنظمين. وخلال السنوات التي سبقت الأزمة أقنع كل من اتحاد مصرفيي الرهن العقاري ومجموعات المصالح المالية الأخرى الأجهزة التنظيمية بتأجيل وضع القوانين التي قد تقيد الإقراض مبكرا بأسعار فائدة مبالغ فيها أو تخفيضها. وندرك جميعنا العواقب ولسنا بحاجة إلى تكرار أخطاء الماضي.

* خدمة «نيويورك تايمز»