المأزق الأميركي في العراق: ماذا نفعل مع قاتل حزب الله؟

TT

في الوقت الذي تستعد فيه القوات الأميركية لمغادرة العراق بنهاية العام الحالي، تأتي قضية ناشط حزب الله اللبناني المدعو علي موسى دقدوق كأكثر القضايا تعبيرا عن التهديدات المتواصلة هناك - وفي المنطقة ككل - التي لا تزال مطروحة للنقاش أمام إدارة أوباما.

وبحسب مسؤولين أميركيين، فقد كان دقدوق واحدا من أبرز عملاء إيران السريين في العراق، الذي اعتقل في البصرة في مارس (آذار) 2007 من قبل القوات الأميركية التي تقول إنها تمتلك أدلة على أنه خطط (بمساعدة إيرانية) لاختطاف عسكريين أميركيين في كربلاء في يناير (كانون الثاني) ذلك العام، مما أسفر عن مقتل خمسة جنود أميركيين وتظهر الصور الأميركية التي تم الحصول عليها عبر الأقمار الصناعية أن الإيرانيين بنوا مجسما لمرفق كربلاء داخل إيران للتدريب على عمليات الاختطاف.

يقبع دقدوق الآن في سجن كامب كروبر، المنشأة التي تديرها القوات الأميركية بالقرب من مطار بغداد. أما وقد أفرج عن عشرات الآلاف من الأسرى العراقيين، لذا يتوجب على القوات المتحدة إغلاق كامب كروبر بنهاية العام بموجب اتفاقية وضع القوات التي تم التوصل إليها في عهد إدارة الرئيس بوش. وسوف يسلم باقي المعتقلين إلى القوات العراقية (التي ستحرر الكثير منهم) ما لم يتم نقلهم إلى مكان آخر.

من هنا ينبع مأزق دقدوق، الذي كان موضوع اجتماعات أسبوعية لعدد من الوكالات هذا الصيف، حيث يرفض البيت الأبيض إطلاق سراح سجين لوثت يداه بدماء جنود أميركيين، لكن كيف يمكن محاكمة دقدوق؟

تحاول الإدارة الأميركية المفاضلة بين خيارات متعددة، أولها إمكانية محاكمة دقدوق أمام محكمة عسكرية أميركية، التي يفترض أن تكون في غوانتانامو وفق القوانين الحربية. والخيار الثاني محاكمته أمام محكمة مدنية، وهذا هو ما قررت وزارة العدل القيام به الشهر الحالي مع الصومالي المشتبه في ضلوعه في الإرهاب، أحمد عبد القادر وارسام، الذي أدين ونقل إلى نيويورك لمحاكمته بعد سجنه شهورا في بارجة حربية في الخليج العربي.

المثير للدهشة أن القضية تحولت إلى مثار مشاحنة سياسية حزبية، ففي 21 يوليو (تموز) كتب أعضاء مجلس الشيوخ الأميركيين إلى وزير الدفاع ليون بانيتا يحثونه على عدم تسليم دقدوق للعراقيين وحثوه على نقله إلى غوانتانامو ومحاكمته، إن أمكن، أمام محكمة عسكرية. وكتب أعضاء المجلس: «نحن نعتقد جازمين أنه إذا ما أطلق سراحه من الاعتقال فسوف يسعى إلى إيذاء وقتل المزيد من الجنود الأميركيين من الرجال والنساء».

وفي 16 مايو (أيار) حذر أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيون وزير العدل إريك هولدر من محاكمة دقدوق أمام محكمة مدنية، مؤكدين أن تصرفه هذا «يناقض بشكل واضح قوانين الحرب».

أنا لست خبيرا قانونيا لكني أعلم أن دقدوق يمثل قمة الرمح التي تشير بها إيران إلى العراق والدول العربية الأخرى. كان دقدوق أحد أعضاء فرقة العمليات الخاصة التابعة لحزب الله، التي أنشئت في أواسط الثمانينات على يد عماد مغنية، والتي كانت تتلقى أوامرها مباشرة منه حتى اغتياله في عام 2008. ويقال إن العضو البارز من مجموعة مقاتلي النخبة التابعين لحزب الله هو مصطفى بدر الدين، الذي بحسب التقارير الإخبارية، أدين من قبل المحكمة الخاصة بلبنان التابعة للأمم المتحدة باغتيال رفيق الحريري في عام 2005.

في يوليو 2007 قدم البريغادير جنرال كيفن بيرغنر، المتحدث باسم الجيش الأميركي في بغداد، ملفا عن دقدوق - يتحدث عن حجم النشاطات الإيرانية في العراق. أشار إلى أن حزب الله أرسل دقدوق في عام 2005 إلى إيران للمساعدة في تدريب المتطرفين العراقيين التابعين لقوة القدس وهي وحدة سرية خاصة تتبع فيلق الحرس الثوري الإسلامي الإيراني. وقام دقدوق بأربع رحلات إلى العراق عام 2006.

وعند عودته إلى طهران، طُلب منه تنظيم «مجموعات خاصة» من المتطرفين الشيعة للعمل كمقاتلين لحزب الله. وقال بيرغنر إن إيران في ذلك الوقت كانت تقوم بتقديم نفقات المجموعات الخاصة التي كانت تتراوح ما بين 750.000 و3 ملايين دولار شهريا، كما كانت تقوم بتدريبهم على استخدام «القنابل الخارقة للدروع»، القنابل المعقدة التي توضع على جانب الطريق، والتي قتلت الكثير من الجنود الأميركيين.

وقد قامت جماعات حزب الله هذه بدعم من الأموال الإيرانية والاستخبارات بالانتشار في أنحاء المنطقة، ونظرا لأنهم يتكلمون اللغة العربية باللهجة اللبنانية فباستطاعتهم العمل مع الناشطين الشيعة من بعض دول الخليج المجاورة والعراق. وسيكون نفوذ إيران في العراق ذا أهمية شديدة، خاصة إذا ما تمت الإطاحة ببشار الأسد في سوريا. وفي الوقت الذي تتسبب فيه الأسلحة الإيرانية الصنع في مقتل أعداد متزايدة من القوات الأميركية التي لا تزال في العراق، حذر قادة عسكريون أميركيون بارزون من أن إطلاق سراح دقدوق سيرسل «رسالة مروعة». ويبدو أن إدارة أوباما وافقت على ذلك وتفاضل الآن في خياراتها حول كيفية استغلال هذا العنصر التابع لحزب الله. بالنسبة إلي، فأنا أفضل إقامة محاكمة له، لكن ليس في قلب مانهاتن. ربما يكون تهديد تنظيم القاعدة في أفول، لكن التهديد الذي يشكله حزب الله ليس كذلك.

* خدمة «واشنطن بوست»