قتيل بنغازي

TT

حتى الآن لم يؤكد أحد من قتل عبد الفتاح يونس، وهذا أمر مشبوه؛ لأنه ليس ممكنا أن الثوار لا يعرفون ذلك. فقد قال مصطفى عبد الجليل، رئيس المجلس الانتقالي: إن الرجل قُتل وهو يستدعى إلى التحقيق. فمن يحقق مع القائد العسكري للثوار؟ ولماذا؟ والأرجح لذلك أن «المحققين» هم الذين قتلوه، بلا محاكمة وبلا حكم، بل «إعدام» في الميدان، أو في غرفة فندق على الشاطئ. وأرجو ألا تكون هذه الظنون صحيحة، لكنه رجاء ضعيف.

في أي حال، يعكس ذلك سوء الوضع العام للثورة؛ فالحلف الأطلسي أصبح يقصف الآن «دشات» التلفزيون ولا نعرف ماذا كان يقصف من قبل ولا نفهم ماذا كان المقصود كل ليلة بأن «ثلاثة انفجارات هزت طرابلس». واليوم يقال إن الأطلسي يفتقر إلى الذخيرة، فهل هذا هو الحلف الذي كان معدا لمحاربة الاتحاد السوفياتي والكتلة الشرقية؟

لا شك أن الأطلسي رد المذبحة الكبرى عن بنغازي في بداية الأمر. فلو بقيت المدينة تحت رحمة كتائب خميس لما بقي من الجرذان والجراثيم أحد. لكن بعد ذلك تتالى قصور الغرب الدبلوماسي والعسكري؛ فالمجلس الانتقالي متروك بلا مال، بينما طرابلس غارقة في دخول النفط الماضية. وشكل انسحاب الأميركيين من المعركة العسكرية بعد الأسبوع الأول خطوة سيئة وغير مفهومة. وظل كثير من الأطلسيين خارج المسألة. والذين أقدموا في البداية بحماس، مثل إيطاليا وبريطانيا وفرنسا، راحوا يترددون أو يحجمون. ولم نعد نرى مقاتلات تقلع من إيطاليا أو بريطانيا، بل صرنا نسمع أن الأطلسي يقارع الآن دشات التلفزيون. في هذا الحال المتضعضع بدا قتل عبد الفتاح يونس أسوأ ما حدث للثورة حتى الآن، معنويا وعسكريا، سواء أكان القاتل هم الرفاق أم القذافيين أم «القاعدة»، كما أعلنت طرابلس، لكي تؤكد دعواها منذ البداية أن «القاعدة» خلف كل ما يحدث. يقول يفغيني بريمكوف، الروسي الذي رافق هذه المنطقة منذ الخمسينات، في مقابلة مع «دير شبيغل»: إن أخطر ما في الأمر هو: ماذا بعد القذافي في ليبيا؟ فقد بدأ كل شيء فجأة ولم يكن شيء مخططا أو معدا. ووجد الثوار أنفسهم ينتصرون ثم وجدوا الأطلسي إلى جانبهم، لكن الفريقين وجدا نفسيهما في صحراء مكشوفة، بينما يتمترس الأخ قائد الفاتح العظيم خلف أكداس المال ومخازن السلاح وكتائب منظمة تدعمها فرق أجنبية بعضها مجهول وبعضها غير مجهول.

اغتيل عبد الفتاح يونس في قلب بنغازي في اليوم الذي انفضت فيه الشراكة في ميدان التحرير وظهر المتشددون للمرة الأولى يعلنون مشروعهم للحكم. وكانت هدية للقذافي للتحدث عن «القاعدة». ومن جهة أخرى ظهر أيمن الظواهري ليخدم، ببلاغته، النظرية السورية القائلة بأن «القاعدة» تحرك كل شيء هناك. الثورات العربية في مأزق.