هل ستعم الفوضى صفوف ثوار ليبيا؟

TT

حتى يوم الخميس الماضي، كانت هناك أخبار جيدة نسبيا عن ليبيا في خضم الصيف المضطرب الذي تلا الربيع العربي. وكانت الولايات المتحدة وأكثر من 30 حكومة أخرى قد اعترفت بالمجلس الوطني الانتقالي الذي يتخذ من مدينة بنغازي الليبية مقرا له ليكون بمثابة الحكومة الشرعية للبلاد. وكان يبدو أن القوات العسكرية للثوار تحقق انتصارات على الأرض شيئا فشيئا ضد قوات معمر القذافي الذي كان معزولا في العاصمة الليبية طرابلس.

وتحدث اثنان من كبار أعضاء المجلس الوطني الانتقالي كانا في جولة في العاصمة الأميركية واشنطن بسعادة كبيرة عن خططهم لتحقيق الاستقرار في البلاد بعد رحيل القذافي وتثبيت ديمقراطية ليبرالية في ليبيا على وجه السرعة. وقال خبير مخضرم من واشنطن بحماس بعد الاستماع لكلامهما: «تعد قضية ليبيا قضية سهلة».

ثم جاء المقتل المفاجئ لعبد الفتاح يونس، قائد عسكري بارز في المجلس الوطني الانتقالي، يوم الخميس الماضي في ظروف لا تزال غير مبررة - ومزعجة جدا – حتى الآن. وقد أدت هذه الجريمة إلى إثارة الفوضى في صفوف الحكومة الجديدة وعاصمتها وأثارت تساؤلات ملحة في عواصم الدول المشاركة في حلف شمال الأطلسي حول ما إذا كان المجلس الوطني الانتقالي أو قواته المتشرذمة والآيلة للسقوط يواجه خطر الانهيار والتفتت.

كما ألقت هذه الجريمة الضوء على أحد الموضوعات الملحة في الثورات الموجودة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط ألا وهو: التوتر المستمر بين هؤلاء المشتاقين إلى الحداثة – إلى الديمقراطية والحرية الشخصية – التي دفعت بجيل هائل من الشباب إلى النزول للشوارع، وبين القوى الرجعية العشائرية والقبلية والطائفية والاستبدادية التي ما زالت تهدد بإعاقة الثورات.

ويبدو أن يونس، قائد حركة التمرد الليبية، كان ضحية ما يمكن وصفه بالتيار تحت السطحي الشرق أوسطي القديم. ومن غير المعروف بعد - حتى كتابة هذا المقال - من تحديدا الذي قتله أو لماذا؟ لكننا نعلم أنه تم استدعاؤه لبنغازي من قبل عناصر في قيادة الثوار للرد على تساؤلات غير محددة حول سلوكه وقتل على أيدي مقاتلين كانوا يرافقونه. ولمحت مظاهرات غاضبة من جانب أبناء قبيلة العبيدي التي ينتمي إليها يونس إلى وجود صراع داخلي في جبهة الثوار، الأمر الذي يعتقد خبراء أنه ربما يشكل التهديد الأكثر خطورة على ليبيا ما بعد القذافي.

الأمر اللافت بخصوص ليبيا ـ وكذلك سوريا ومصر ـ أنه ليس هناك مؤشرات تذكر حول تلك القوى المظلمة في قيادة الثورات. بدلا من ذلك، يتحدث المصريون والسوريون عبر «فيس بوك» لغة مشتركة عن نظام ديمقراطي علماني ليبرالي وعن حقوق الإنسان. الواضح أن جيلا ترعرع على شبكة الإنترنت يرغب قبل أي شيء آخر في الانضمام لباقي عالم القرن الـ21.

ولا يختلف الحال مع المجلس الانتقالي الليبي، حيث نشر قادته الأوائل بيانا رسميا مؤلفا من 8 نقاط في 29 مارس (آذار) أعلنوا خلاله أنه «ليس هناك بديل عن بناء مجتمع حر وديمقراطي وضمان سيادة القانون الإنساني الدولي ومواثيق حقوق الإنسان. ولا يمكن تحقيق ذلك سوى عبر الحوار والتسامح والتعاون والتناغم الوطني والمشاركة النشطة من قبل جميع المواطنين».

وفي عرض أمام المجلس الأطلسي في واشنطن، الخميس، حدد فتحي محمد باجه، عضو المجلس الليبي الانتقالي، الذي صاغ البيان، والأمين العام للمجلس علي سعيد علي، ملامح خريطة طريق بدأت بتوسيع المجلس الانتقالي ليضم ممثلين عن جميع أرجاء البلاد، ووضع مسودة دستور جديد وإجراء انتخابات. وقال باجه: إن طموح المجلس الانتقالي لم يكن البقاء في السلطة بعد الإطاحة بالقذافي، وإنما تنظيم «فترة انتقالية ديمقراطية شفافة تماما».

ويبدو الوضع في ليبيا أخف وطأة عنه في سوريا بل حتى مصر، رغم أن عدد سكانها البالغ 5 ملايين نسمة يعد ضئيلا نسبيا، ومع أنها تضم أقلية بربرية كبيرة، ولا تتسم الطائفية داخلها بنفس الحدة التي هي عليها في العراق أو سوريا، إضافة إلى ذلك، تتمتع البلاد بثروة نفطية ضخمة يمكن توزيعها، وأصول مجمدة في مصارف أجنبية بقيمة 168 مليار دولار. على خلاف الحال مع بشار الأسد في سوريا، لا يحظى القذافي سوى بتأييد شعبي ضئيل، ومن غير المحتمل أن يتمكن من إلهام حركة تمرد على غرار ما اندلع بالعراق. وبفضل تدخل الناتو يتمتع الثوار بميزة عسكرية حاسمة ـ إذا ما بقيت الحكومات الغربية ثابتة على موقفها، إلا أنه مثلما شرح باجه، فإن العقود الأربعة من حكم القذافي الاستبدادي تركت البلاد من دون أي مؤسسات على الإطلاق. وقال: «إننا نواجه فراغا سياسيا. ليس لدينا أحزاب سياسية لقيادة الإصلاح. وليس لدينا منابر سياسية لمستقبل ليبيا. وليس لدينا رئيس بمقدوره قيادة الفترة الانتقالية. ليس هناك أي شيء على الإطلاق».

خلال أربعة شهور منذ ظهور الموقف العسكري المتأزم ومع بدء حملة القصف الجوي التي يشنها الناتو، نال الثوار بعض الوقت لبناء هياكل بدائية، إذ تم بناء وزارة داخلية وقوة شرطة جديدة في بنغازي. وأشار باجه إلى ظهور 300 منظمة مجتمع مدني، بينهم قرابة 150 صحيفة ونشرة ومدونة من قبل «أفراد يرغبون في التعبير عن أنفسهم للمرة الأولى».

وشعرت الحكومات الغربية، التي اتسمت بالحذر في البداية، بالانبهار الكافي لأن تمنح اعترافها بالمجلس الانتقالي. وأقرت مجموعة الاتصال المعنية بليبيا خلال اجتماعها الأخير في إسطنبول الشهر الماضي خريطة الطريق التي قدمتها الحكومة الجديدة.

الآن، سحب الشرق الأوسط القديم قادته العسكريين تحت أقدامه. في ليبيا، مثلما الحال مع كثير من دول المنطقة خلال هذا الصيف، يبقى التساؤل قائما حول ما إذا كان النظام العربي الجديد سيتمكن من النجاة من التيار.

* خدمة «واشنطن بوست»