منع «الحسن والحسين» بات مستحيلا

TT

مسلسل «الحسن والحسين»، الذي يثير جدلا واسعا في الأوساط الدينية من سنية وشيعية، كما يغضب الأزهر الذي يحاول منع بثه بشتى السبل، بات بكامل حلقاته على الإنترنت وفي متناول الجمهور العريض. وحتى إن تمكن الأزهر من إيقاف عرض المسلسل على القنوات المصرية، فبقية المحطات ستواصل عرضه، مما لن يكلف المتفرج أكثر من كبسة زر لمتابعة الحلقات التي يريدها.

وجل ما فعلته الجهات المعترضة، سواء بسبب تجسيد شخصيتي حفيدي النبي الكريم (وجهة النظر السنية)، أو اعتبارا منها أن الفترة التاريخية التي يطرحها العمل شديدة الحساسية، وقد تتسبب في فتنة (الرأي الشيعي)، هو أنها أسهمت في الترويج لمسلسل ربما لم يكن ليحظى بنسبة عالية من المشاهدة بين 40 مسلسلا تعرض متزامنة في شهر واحد.

في مقابلة كنت قد أجريتها مع أحمد الهاشمي، رئيس الشركة المنتجة الأم للمسلسل (النور)، أخبرنا عن سلسلة من المشاريع التي تنذر بمزيد من التجسيد لشخصيات من أهل البيت. فالأجزاء الثلاثة للفيلم الذي يجري العمل عليه عن حياة النبي بتكلفة 450 مليون دولار، سيظهر فيها ممثلون يؤدون أدوارا لشخصيات أحاطت بالرسول لها عند المسلمين مكانتها في مخيلتهم ووجدانهم. وهناك أيضا مسلسل كرتوني تربوي للأطفال من 30 حلقة عن النبي الكريم، وهنا أيضا ثمة مفاجآت تنتظرنا.

تعتمد الشركة المنتجة على فتاوى شرعية، من علماء دين سنة وشيعة من مختلف البلدان الإسلامية، مقابل الرفض الذي يعلن عنه آخرون، مما يعني أننا اليوم أمام نوع من الخلاف حول مسألة فقهية، ثمة من يحرمها وهناك من يحللها. وهو ليس بالأمر الجديد. لكن في الحالتين، يبدو أن ثمة ما تم تجاوزه منذ رأينا أنطوني كوين في دور حمزة، عم الرسول، في فيلم مصطفى العقاد الشهير عن حياة النبي الكريم، بينما أدى عبد الله غيث الدور نفسه في النسخة العربية. الأزهر لم يكن موافقا يومها، لكن عالمية الفيلم جعلته يفلت من شباك المنع، ويسجل سابقة لم يجرؤ كثيرون على مثلها منذ ذلك التاريخ إلا ومنعوا ووجدوا صدودا من مراجع دينية أبرزها الأزهر.

ما يحدث اليوم مشابه لما رأيناه مع مصطفى العقاد، لكن على مستوى أوسع وبوجود وسائل اتصال تطورت على نحو مذهل. فالجهة المنتجة للأعمال الجديدة تتمتع بإمكانات مالية ضخمة؛ حيث كلف «الحسن والحسين» 8 ملايين دولار، بينما سيعرض الفيلم المنتظر عن النبي بثلاث نسخ باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية، وسيكون على مستوى هوليوودي.

الحجة الشيعية التي تختبئ بدورها وراء مخافة الفتنة بين المسلمين، لمنع عرض «الحسن والحسين» ليس لها ما يبررها؛ فالفتنة واقعة ونراها بأم العين، ليس بسبب المسلسل الإيراني عن سيدنا يوسف الذي أغضب السنة العام الماضي، ولا بالتأكيد بسبب عرض تلفزيوني فني لمعركتي الجمل أو صفين، وإنما للجهل المدقع بتلك المرحلة الحساسة من التاريخ التي قسمت المسلمين من حينها إلى وقتنا هذا.

كل منا بمقدوره أن يسأل من حوله عن هذه الفترة الحرجة من التاريخ الإسلامي ليتأكد أنها ضبابية، تشوبها المغالطات والالتباسات في أذهان كثيرين، حتى ممن يدعون المعرفة بها. فما حدث منذ مقتل الخليفة عثمان وحتى مقتل الحسين يستحق تقديمه، ليس في مسلسل واحد وإنما في مسلسلات كثيرة، وأفلام كثيرة، تطرح وجهات النظر على تنوعها أمام المتفرج سنيا كان أم شيعيا أم حتى خارجيا.

فالانغلاق على رواية دون أخرى ليس هو ما يجنب المسلمين الفتنة الكبرى بدمويتها وشراستها مرة جديدة، بل الانفتاح على الروايات بتعدديتها، وكما تراها كل جهة لتتمترس خلفها. وليس المطلوب في هذه الحالة قبول رواية الآخر وتبنيها بقدر ما يفيد الاطلاع عليها ومعرفتها، من باب العلم بالشيء بعد الجهل به، والأصح هنا تجاهله.

يصر رئيس الشركة المنتجة الأم، أحمد الهاشمي، على أنه مع فريق عمله يقدمون رواية موضوعية ترضي جميع الأطراف حول حكاية «الحسن والحسين ومعاوية». وهذا شبه مستحيل، مهما بلغ حرص المعدين. والمطلوب أن يتحلى العمل الفني بالمسؤولية كي لا يجنح ويشطح، وأن يكون لوجهات النظر مكانها تحت الشمس الساطعة، ليمكن للناس معاينتها.

الخلاف بين السنة والشيعة ليس أكبر من الثأر التاريخي بين المسيحية واليهودية، ومع ذلك وصل الطرفان إلى مصالحة مذهلة، وتم ضم الإنجيل إلى التوراة ليشكلا معا الكتاب المقدس، وصار هناك ما يدعى الحضارة اليهودية - المسيحية، المشتركة.

لا شيء مستحيل، حين تتفتح النفوس وتنتعش المعرفة. والمرحلة التي نعيشها سمتها الثورة والتغييرات التي تفاجئ حتى أصحابها. مسلسل «الحسن والحسين» قد يوقف بثه على بعض التلفزيونات، ولعله يثير نزاعات وخلافات في الأيام المقبلة، لكنه محطة مهمة لها دلالتها في زمن المخاضات العربية الجارفة.