«الحرس الثوري» يجند عرب الأهواز ويرسلهم إلى دمشق

TT

إذا قيض للنظام السوري أن يعبر وادي الدم، فسيكون الفضل في ذلك للجسر الإيراني. إذ في محاولة منه لإعادة الاستقرار (الاقتصادي والأمني) تعهد المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي بدعم نظام الرئيس بشار الأسد. فبدءا من شهر يونيو (حزيران) أذن خامنئي بتقديم المساعدة للاقتصاد السوري في أربعة جوانب مختلفة..

الأول: تقديم مساعدات اقتصادية مباشرة بمبلغ 7 مليارات دولار..

الثاني: تساعد إيران الحكومة السورية على فرض قوانين أكثر صرامة على البنوك الإسلامية والخاصة، لكبح جماح هروب رؤوس الأموال..

الثالث: المساعدة على زيادة فرص العمل والنمو الاقتصادي..

الرابع: منح الحكومة السورية، على الفور، 300 ألف برميل نفط يوميا.

اتخذ القرار على أساس تقرير من 54 صفحة كان بعنوان «التدابير الاقتصادية للجمهورية الإسلامية الإيرانية لدمشق: اعتبارات للإمام خامنئي».

في المقدمة، أشار التقرير إلى عدد من نقاط الضعف في الاقتصاد السوري التي من شأنها أن تخرج عن نطاق السيطرة نتيجة للانتفاضات المنتشرة في المدن في جميع أنحاء البلاد، وأقر بأن الاضطراب السياسي الحالي أدى إلى انخفاض حاد في الإنتاج، والتجارة الداخلية والخارجية وكذلك الاستثمارات الأجنبية، ولم ينس الإشارة إلى الانهيار الكامل في مجال السياحة، «وأن هذه التطورات السلبية تهدد بشل الاقتصاد».

رأى التقرير الذي قُدم إلى خامنئي، أن كل هذه العلامات المثيرة للقلق في الاقتصاد السوري يجب أن يُنظر إليها على خلفية انخفاض ملحوظ في معدل النمو الحقيقي، من معدل سنوي بلغ في المتوسط نحو 5.5 في المائة على مدى السنوات الخمس الماضية، إلى 3.2 في المائة العام الماضي، مع انخفاض حاد في الاستثمارات الخاصة، باستثناء قطاع الطاقة. وتوقع التقرير أن يستمر انخفاض النمو في العام المقبل إلى أقل من واحد في المائة.

استنزاف احتياطي العملة الأجنبية فاقم الوضع السيئ. وفي هذا الصدد اعتمد التقرير على «معلومات حساسة» مررها المصرف المركزي السوري إلى المصرف المركزي الإيراني في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2010، وفيها يحذر من أن احتياطي العملة الأجنبية وصل إلى مستوى ينذر بالخطر 4.03 مليار دولار، أي أكثر قليلا من ثلث الاحتياطي 11.936 مليار دولار (614 مليار ليرة سورية)، الذي كان لدى سوريا في منتصف عام 2008.

ونسب التقرير معلومات إلى مسؤول كبير في الحكومة السورية على ما يبدو أنها طلبت المساعدة الاقتصادية الإيرانية حتى قبل الأزمة الحالية، وفيها تحذير من أن العرض المالي السوري قد يجف تماما في عام 2011.

بالإضافة إلى التوصيات التي أوردها، أثار التقرير قلقا عميقا من أن المشكلات هي من الضخامة بحيث لا يقتصر تأثيرها على الاقتصاد السوري، وأنه ما لم تتدخل إيران، فإن أبعاد الأزمة الاقتصادية قد تمتد إلى لبنان وتخلق تحديات إضافية صعبة للحكومة اللبنانية الجديدة ولحزب الله.

لا تكتفي إيران بتقديم المساعدة الاقتصادية، ففي ضوء الصعوبات التي يواجهها النظام السوري في قمع المظاهرات المتزايدة، تزود إيران سوريا بتكنولوجيا متخصصة لمساعدة أجهزة استخباراتها وقواتها الأمنية على ملاحقة تحركات أفراد محددين ومجموعات يعتبرها النظام تشكل تهديدا له. وتهدف المساعدة التكنولوجية إلى دعم الحكومة السورية للقيام بالعديد من «العمليات الوقائية» ضد «قياديين» يشتبه في كونهم يعملون ضد النظام.

وحسب مصادر «إيرانية» مطلعة، فإن شحنة خاصة من أجهزة القياس عن بعد، ونظم الملاحة، ومعدات للتصوير الجوي، بما في ذلك تكنولوجيا الصور الرقمية للهويات، نقلت مؤخرا عن طريق الجو على متن رحلة عادية مقررة للخطوط الجوية الإيرانية إلى دمشق.

هذه الشحنة بكل مكوناتها جاءت نتيجة طلب خاص من رئيس الأمن العام السوري علي مملوك، إلى كبار قادة الشرطة الإيرانية، بعد سلسلة من الاجتماعات غير المعلنة جرت بينه وبينهم في طهران في شهر يونيو الماضي.

المعدات ذات الأغراض الخاصة، لا سيما معدات التصوير الفوتوغرافي وأنظمة معرفة الوجوه، نُقلت إلى منظمة التصنيع العسكري السوري (مركز الأبحاث والدراسات العلمية) لاستخدامها في مجال التكنولوجيا التي يجري تطويرها لمحاولة قمع المظاهرات المناهضة للحكومة.

تضيف المصادر المطلعة أن هذه التكنولوجيا مكنت قوات الأمن السورية من تحديد أناس معينين لاعتقالهم واستجوابهم وفي بعض الحالات لتصفيتهم. وبناء على معلومات استخباراتية تم الحصول عليها بهذه الطريقة، جرى اقتحام عدد من المنازل في دمشق وغيرها «من المناطق التي تتسبب في المشكلات كما يصفها النظام السوري»، في حماه، وحمص، ودير الزور، وحلب ودرعا والبوكمال.

منذ عدة أشهر، تسعى منظمة التصنيع العسكري السوري، وبالذات مركز الأبحاث والدراسات العلمية، للحصول على أسلحة ومعدات مصممة خصيصا لاحتواء الاضطرابات المدنية، من إيران وغيرها من الدول، وبذلك أرادت الحكومة السورية تجنب رد فعل لا يمكن السيطرة عليه من الشعب، معتمدة على الدروس التي استفادت منها إيران عندما قمعت المظاهرات التي انطلقت في مدنها بعد انتخابات 2009 الرئاسية، كما أرادت الحكومة السورية استخدام أزمتها كفرصة لرفع مستوى قدرات أجهزتها الأمنية.

وماذا بالنسبة لمساعدة إيرانية على الأرض؟ تقول المصادر الإيرانية المطلعة، إن فرع الاستخبارات في الحرس الثوري الإيراني، وتحت قيادة حجة الإسلام حسين طيب، ساعد في التدريب، وحتى شارك في بعض الهجمات. وحددت المصادر على سبيل المثال، مرافقة خمسة من الحرس الثوري الإيراني نظراءهم السوريين في الهجوم على منزل للطلاب في دمشق الشهر الماضي. وتضيف المصادر أن آخر ما بلغها أن ما لا يقل عن 47 ضابطا من وحدة حجة الإسلام حسين طيب، توجهوا إلى عدد من المدن السورية بناء على طلب «رئيس المخابرات السورية عبد الفتاح قدسية».

لكن، بعدما اتهمت تركيا إيران بأنها تشارك في «جرائم الحرب» التي ترتكب في سوريا، وطلبت منها أن توقف مساعداتها المباشرة وغير المباشرة، قرر الحرس الثوري الإيراني تجنيد «جنود ناطقين باللغة العربية من مناطق مثل الأهواز وإرسالهم إلى سوريا وبالذات إلى دمشق ليحلوا محل الجنود الناطقين بالفارسية، على الرغم من الاختلاف بين اللهجة السورية ولهجة أهل الأهواز».

وتجدر الإشارة إلى زيارة قام بها مسؤول إيراني رفيع المستوى من مجلس الأمن الأعلى، ناقلا رسالة إلى المسؤولين السوريين، مفادها أنه على الرغم من الضغوط التركية، فإن إيران لن تتخلى عن سوريا.

يؤكد ما تقدم، الخوف الكبير التي تشعر به القيادة الإيرانية من احتمال سقوط نظام بشار الأسد، والدعم التكتيكي الذي توفره، إضافة إلى المساعدات الاقتصادية الضخمة، أن طهران تبذل ما بوسعها لإنقاذ حليفتها الاستراتيجية في المنطقة.

ما أقدم عليه النظام السوري من اقتحامات للمدن يؤكد أنه سلم «مقاليد» توجهاته لطهران التي يبدو أنها ضاقت ذرعا بـ«قفاز» الحوار أو بقانون تعدد الأحزاب الذي ارتداه النظام. هي اقترحت عليه تكرار تجربتها عام 2009، لأنها محتاجة لحليف «قوي» لا يتميز عنها بشيء.. والقمع يوحد بين النظامين.