السياسة العراقية تجاه الجوار

TT

تعرض إقليم كردستان منذ فترة لموجات من القصف المدفعي الإيراني، مستهدفة مناطق قضاء جومان وقنديل وسيدكان وبشدر وحاج عمران.. وحتى هذا التاريخ ما زالت المدفعية تواصل قصفها للمدنيين العزل، والحصيلة 3 شهداء وعدد من الجرحى وتشريد المئات من العوائل ونفوق الكثير من الماشية وتهديم البيوت، بذريعة مطاردتها لحزب الحياة الحرة (بيجاك).

المثير للاستغراب أننا لم نجد موقفا حكوميا سريعا بصدد هذا الموضوع، كما هي العادة، منتظرة توقف القوات الإيرانية عن القصف، لكن هذه المرة طالت مدة القصف، ولتدارك الأمر شكلت لجنة لتقصي الحقائق تزور مواقع القصف! بعد الضغط الذي ولدته احتجاجات الرأي العام العراقي، وكثافة طرح موضوع القصف في وسائل الإعلام العراقية ومن ثم العربية والأجنبية.. بوصفه انتهاكا صارخا للسيادة العراقية.. ويعبث بمقدرات وحياة مواطنين عراقيين.

السؤال المقلق حقيقة والمخجل: هل يحتاج الموضوع إلى لجنة تتأكد من صدقية ما يتعرض له المواطنون؟ علما بأن الإيرانيين اعترفوا بدخولهم الأراضي العراقية. ثم أليس في الإقليم حكومة بالإمكان الاستفسار منها عن طبيعة القصف؟ ناهيك عن أن وسائل الإعلام تنقل بشكل يومي معاناة القرى الحدودية من جراء القصف. والمثير في الأمر أن اللجنة في تقريرها أكدت أن نشاط بيجاك لم يكن داخل الأراضي العراقية، والقصف الإيراني للأراضي العراقية كان عشوائيا.. وطالبت باستخدام الطرق الدبلوماسية وتفعيلها لثني إيران عن مواصلة قصفها، في حين تعتير عملية القصف عدوانا واضحا وصريحا يحتاج على الأقل إلى رد احتجاجي بدلا من إدانة واستنكار وشكوى للأمم المتحدة ومجلس الأمن.

ثم أين هو موقف الحكومة والبرلمان العراقي من ذلك؟ لم نجد أي موقف سوى بعض الأصوات في الحكومة.. وإشارات خجولة من الخارجية العراقية. السؤال الكبير أيضا هو: ترى متى أفلحت هذه السياسة مع إيران التي وقفت بكل قوة لإجهاض وعرقلة بناء التجربة الديمقراطية في العراق؟

ولم تفلح هذه الدبلوماسية العتيدة طيلة الأعوام الماضية ولو لمرة واحدة مع إيران وسوريا والكويت حيث فشلت فشلا ذريعا بل حولت العراق إلى كيس ملاكمة.. إذ لم تكتف إيران بذلك بل أقدمت على قطع مياه الأنهار والجداول المتجهة نحو العراق وآخرها قطع المياه عن نهر الوند الذي تسبب في موت مائة ألف نخلة وموت عشرات الآلاف من الدونمات الزراعية. وامتدت ضاغطة على حقول النفط في الجنوب، فضلا عن تحويل المياه الآسنة والبزل نحو البصرة مما تسبب في أضرار بالغة للزراعة، وناهيك عن مضايقات وقتل الصيادين العراقيين في المشاركة مع الأشقاء الكويتيين حتى تحول 5000 صياد إلى عامل خدمة في البلدية!

يا ترى لو أن العراق قصف منظمات إرهابية داخل إيران، فكيف كانت ستتصرف إيران؟

أما أشقائنا السوريون، فقد ساهموا من دون كلل أو ملل منذ الأيام الأولى للتغيير في العراق بإرسال البعثات الإرهابية. وفي كل مرة يبرهن الخطاب السياسي العراقي عقمه.. فلا تمر مناسبة مؤلمة تطالب فيها الحكومة العراقية سوريا بإيقاف تدفق الإرهابيين من أراضيها إلا وتنكر دمشق بكل استهتار واستهزاء حقيقة وجودهم على أراضيها. ولكن في النهاية - وبكل دبلوماسية - تفهمت الحكومة العراقية الموقف السوري!

وهكذا استمر السوريون في غيهم، ولم نتوقف عن دبلوماسيتنا الباردة جدا..

وآخر المطاف هو تصريحات الناطق باسم الحكومة العراقية بشأن ميناء مبارك الكويتي، إذ تسارع بالمباركة لهذا المشروع، لكن سرعان ما تراجع بعد الضجة التي أحدثها الإعلام والمنظمات الشعبية والفنيين منذرين من الكوارث التي سيحدثها هذا المشروع المعد والمبيت لخنق المنفذ البحري الوحيد للعراق! كأن الخطاب السياسي العراقي مبرمج لتسويغ أفعال الآخرين الذين يلحقون ضررا بالعراق.. ما ذكرناه غيض من فيض.. والسؤال هو: متى يتوحد الخطاب السياسي ويتوازن برؤية المصلحة الوطنية؟