ترحيل داخل العراق.. إلى أين؟

TT

منذ أسابيع وهناك أخبار تصل بين حين وآخر بأن وكلاء السياسة الأميركية في العراق يبذلون قصارى جهدهم لترحيل سكان «أشرف» إلى مكان آخر في العراق.

في البداية كتبت وكالة «رويترز» للأنباء في الخامس من مايو (أيار) 2011 نقلا عن مسؤول رفيع في الخارجية الأميركية، لم يفصح عن اسمه، أن «الولايات المتحدة بصدد طرح خطة جديدة لمخيم تابع لمعارضين إيرانيين، تطلب من السكان أن ينتقلوا مؤقتا إلى مكان جديد بالعراق في انتظار نقلهم من هناك إلى بلد ثالث». وأضاف هذا المسؤول الرفيع أن الهدف من هذه الخطة منع مزيد من العنف في مخيم أشرف، المكان الذي قتل فيه 34 شخصا الشهر الماضي.. ثم قال: «نحن نعترف بأن هذه مأساة إنسانية تلك التي تحدث.. ونظرا لتاريخ الإثارة، فنحن قلقون بشكل عميق حول إمكانية وقوع العنف في المستقبل».

وفي يوم 16 من شهر مايو نفسه نقلت وكالة أنباء «مك كلاجي» الأميركية أنه بعد خمسة أسابيع من الهجوم القاتل على المعارضين الإيرانيين، فإن الحكومة الأميركية عرضت مساعدة لنقل 3400 من سكان «أشرف» إلى مكان آخر في البلد وحذرت من حمام دم أكبر عندما يقدم العراق على إغلاق المخيم في ديسمبر (كانون الأول).. وصرح مسؤول أميركي رفيع، طلب عدم ذكر اسمه حتى لا يخاطر بالمفاوضات المستقبلية، بأنهم معرضون للخطر.. لورانس بتلر، المستشار الرفيع لجيمس جيفري سفير الولايات المتحدة لدى العراق، عرض مشروع ترحيل «مجاهدين خلق» إلى شمال ومركز العراق.

وهنا لأول مرة ذكر اسم شخص باسم بتلر، ويبدو أن الشخص الذي رفض ذكر اسمه في الفقرة السابقة هو السيد بتلر الذي جاء اسمه في الفقرة التالية!

وفي نهاية هذا التقرير تم التأكيد من جديد على أن الولايات المتحدة تقول إن سكان المخيم يجب أن يرحلوا لأن بقاءهم في هذا المكان معناه الدعوة إلى مأساة بعد انسحاب القوات الأميركية من العراق في ديسمبر.

ويقول المسؤول الرفيع من الولايات المتحدة، شرط عدم ذكر اسمه: «إننا ملتزمون بتوجيه التحذير لمواجهات غير معروفة نتائجها».

ودخل السفير الأميركي لدى العراق جيمس جيفري على الخط، وفي 4 يوليو (تموز) 2011 نقلت عنه وكالة «أسوشييتد برس» ما نصه: «صرح السفير الأميركي جيمس جيفري بأن أميركا تعمل مع الأمم المتحدة لنقل أكثر من ثلاثة آلاف من الإيرانيين إلى مكان أكثر أمنا قليلا وأبعد من إيران قليلا». لكنهم يجب أن يقوموا بتفكيك حركتهم ويسمحون بأن يسجلوا كلاجئين من قبل المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة.. وقال جيفري للصحافيين بأن منظمة «مجاهدين خلق» تفكر حقيقة في أن الأمم المتحدة وأميركا تحميانها إلى الأبد، لكنهما غير قادرتين على توفير الحماية حتى في الوقت الحالي، وأن القوات الأميركية لن تكون منتشرة في هذا القسم من محافظة ديالى في مستقبل قريب.

في هذه الأخبار نرى خلاصة ما جاء على لسان المسؤولين الأميركيين في مجال ترحيل سكان «أشرف» داخل العراق.

ومؤخرا كتبت صحيفة «نيويورك تايمز» في 23 يوليو مقالا مطولا في هذا المجال جاء في قسم منه «خلال الأشهر الثلاثة الماضية، قام السيد بتلر، مستشار السياسة الخارجية للجنرال لويد أوستن، أعلى قائد عسكري أميركي في العراق، بزيارات مكوكية تقريبا كل أسبوع بين بغداد ومعسكر أشرف. وسعى السيد بتلر، إلى إقناع المنفيين بمغادرة المخيم، وتجنب مواجهة عنيفة أخرى شبه مؤكدة مع قوات الأمن العراقية إذا بقوا في المخيم».. «هؤلاء الناس ذبحوا الأميركيين»، وفقا للسيد بتلر، الذي صرخ على مسمع من ممثلي الجماعة خلال جولة التفاوض الأخيرة، مضيفا «لقد تلطخت أيديهم بالدماء».

الأميركيون عرضوا خطة، يقوم أعضاء المجموعة من خلالها بإخلاء هذا المخيم، الذي، كان خلال فترة حكم صدام حسين، بمثابة قاعدة عسكرية، والانتقال إلى موقع آخر في العراق، حيث يتم حل الجماعة، كخطوة أساسية قبل أن تعترف الأمم المتحدة بأعضائها كلاجئين.

«بالنسبة إلى العالم الخارجي، تبدون وكأنكم منظمة شبه عسكرية»، هكذا قال لهم السيد بتلر، قبل أن يضيف: «إنكم كجماعة خطيرون».

في الوقت الحالي، السيد بتلر غير متفائل بشأن احتمالات الحصول على موافقة الجماعة بالرحيل من المخيم، أو حلها. وعبر بتلر، بعد عودته بطائرة هليكوبتر إلى السفارة الأميركية في بغداد بعد انتهاء جولة المحادثات، عن قلقه، مرجعا ذلك إلى عدم وجود إرادة سياسية في بلده. يبدو أن القضية واضحة.. أن السيد بتلر عنده مهمة تفكيك منظمة «مجاهدين خلق» الإيرانية والقضاء على «أشرف»، لأن حل المنظمة غير العسكرية ليس كلاما جادا، حيث إن سكان «أشرف» قد سلموا كل ما لديهم من أسلحة قبل ثماني سنوات، وهذا ما أكده القادة العسكريون والسياسيون الأميركيون عدة مرات. لكن السؤال هو: نظرا لأن بتلر على رتبة سفير ويعمل بصفة مستشار للقائد الأعلى للقوات المسلحة الأميركية في العراق ومستشار السفير الأميركي لدى العراق، فهل هو ينقل الموقف الأميركي الرسمي أم أن هناك تباينا في الموقف كما جاء في نهاية مقال «نيويورك تايمز»؟ من جهة أخرى نرى أن السفير الأميركي جيمس جيفري أيضا أكد على نفس الموقف وضرورة تفكيك منظمة «مجاهدين خلق» والقضاء على مخيم أشرف.

وهنا تبرز أسئلة جديدة:

1) هل تريد الولايات المتحدة القضاء على المعارضة الرئيسية والمنظمة لنظام الملالي؟ بمعنى أنها تريد نقلهم إلى مكان آخر داخل العراق وإخراجهم من تحت مجهر العالم في «أشرف» بهدف تسهيل مهمة الملالي والمالكي للقضاء عليهم؟

2) هل تريد الولايات المتحدة أن تكرر الخطأ القاتل الذي ارتكبته قبل بداية الحرب في العراق عام 2003 عندما اتفقت مع الملالي على قصف قواعد «مجاهدين خلق» والقضاء عليهم؟ وبالنتيجة فسح المجال أمام أطماع الملالي التاريخية في الدول العربية والإسلامية؟

3) عندما نرى أنه ليس هناك أي منطق وراء اقتراح الترحيل داخل العراق، كما رفضه جميع الشخصيات السياسية العراقية من أمثال الإخوة إياد علاوي، وطارق الهاشمي، وصالح المطلق، ونواب البرلمان العراقي، وحتى رئيس البرلمان أسامة النجيفي، كما رفضه العديد من الشخصيات السياسية الأميركية ونواب الكونغرس وآلاف من نواب البرلمانات من أكثر من أربعين دولة في العالم، فكيف تبقى أميركا تنظر إلى هذا الموضوع كخيار؟

4) نعرف أن وفدا رسميا من البرلمان الأوروبي زار العراق بعد مجزرة «أشرف» في شهر أبريل (نيسان) واجتمع بجميع المسؤولين العراقيين والمسؤولين الأميركيين في العراق وبالشخصيات السياسية والحزبية والأكراد.. محصلة هذه الزيارة وهذه اللقاءات كانت مشروعا عرضه الوفد على البرلمان الأوروبي وعلى الاتحاد الأوروبي. وقد أخذ هذا المشروع مداه حيث تبنته السيدة كاثرين أشتون وطرحت الموضوع في اجتماع المجلس الوزاري لوزراء خارجية الدول الأوروبية، كما أن لجنة الشؤون الخارجية للبرلمان أقرت هذا المشروع. وملخص هذا المشروع هو نقل سكان «أشرف» إلى بلد ثالث.. فالسؤال الذي يفرض نفسه هو: لماذا لا يؤيد الأميركيون هذا المشروع؟

5) سمعت أن قادة «أشرف» في لقاءاتهم مع السفير بتلر قد عرضوا طروحات عدة أثبتوا من خلالها حسن نيتهم بأنهم لا يريدون البقاء في العراق، وحتى إنهم مستعدون للترحيل داخل العراق شرط ضمان أقل شيء من حمايتهم.. لكن الأميركيين رفضوا جميع هذه الطروحات، فلماذا؟

6) لا شك أنه في أميركا لا يمكن التهاون بقرارات الكونغرس، ومؤخرا صدقت لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس على لائحة إصلاحية تضم إلى لائحة الميزانية السنوية تنص على أنه «يجب على الولايات المتحدة أن تتخذ الخطوات اللازمة لمنع الترحيل القسري لسكان مخيم أشرف داخل العراق..»، فلماذا لم تفعل؟

وهناك أسئلة أخرى أيضا، وإذا أخذنا في الاعتبار هذه الأسئلة ومواقف لورانس بتلر وجيمس جيفري ضد «مجاهدين خلق» وضرورة تفكيك المنظمة، ثم نتابع بعض الأخبار عن تقارب أميركي - عراقي محتمل في الآونة الأخيرة، فلن يبقى أي نوع من التفاؤل تجاه اقتراحات بتلر وجيفري، بل بالعكس تماما، وبغض النظر عن أنه موقف أميركي موحد أم لا، فإنه يشير إلى مؤامرة كبيرة ضد المقاومة الإيرانية وسكان «أشرف»، ولصالح النظام الإيراني، لأن هذه المواقف مماثلة لمواقف النظام الإيراني ضد معارضيه بالضبط.

فليس هناك حل لمواجهة هذه الخطة سوى الرفض الكامل لها، أيا كان الثمن، وهذا ما فعله المسؤولون في حركة المقاومة الإيرانية، وثانيا تعبئة الرأي العام الدولي والأميركي وهيئات تدافع عن حقوق الإنسان لمواجهة هذه المؤامرة.

* رئيس وزراء الجزائر الأسبق، ورئيس اللجنة العربية الإسلامية للدفاع عن «أشرف».