لك الله يا مصر

TT

بينما كنت أعبر ميدان التحرير في القاهرة دون توقف هربا من هذا الزعيق المحتشد والمزعج، وطلبا لشيء من الهدوء والسكينة، وقليلا من الهواء غير الملوث، لا أدري لماذا خطر في بالي مقطع من قصيدة (لأمل دنقل) عنوانها (حمامة)، وقد صاغها سنة 1969، وللوهلة الأولى خلت نفسي أنني تلك الحمامة، أو بمعنى أكثر صدقا ودقة، خلت أي مواطن مصري بسيط هو تلك الحمامة. فهل ما زال التاريخ يعيد نفسه يا ترى؟! وهل ما زالت القاهرة بل مصر بكاملها ترزح تحث ثقل (حقول التجارب) المضحكة والمحزنة وشبه العقيمة في الوقت ذاته؟! أعتقد أن هذا للأسف صحيح إلى حد كبير، يقول أمل دنقل:

«حين سرت في الشارع الضوضاء

واندفعت سيارة مجنونة السائق

تطلق صوت بوقها الزاعق

في كبد الأشياء:

تفزعت حمامة بيضاء

(كانت على تمثال نهضة مصر

تحلم في استرخاء!)

... ...

طارت، وحطت فوق قبة الجامعة النحاس

لاهثة، تلتقط الأنفاس

وفجأة.. دندنت الساعة

فحلقت في الأفق.. مرتاعة!

... ...

أيتها الحمامة التي استقرت فوق رأس الجسر

(... وعندما أدار شرطي المرور يده:

ظنته ناطورا يصد الطير

فامتلأت رعبا!)

أيتها الحمامة التعبى

دوري على قباب هذه المدينة الحزينة

وأنشدي للموت فيها، والأسى، والذعر

حتى نرى عند قدوم الفجر

جناحك الملقى على قاعدة التمثال في المدينة

.. وتعرفين راحة السكينة!»

فهل عرفت الحمامة راحة السكينة اليوم؟! أم أنها ما زالت مرتاعة متعبة؟!

لك الله يا مصر، فأنت بالفعل لا تستحقين كل هذا (العبث) غير المعقول.

حاولت أن أزيد على هذا الكلام جملة واحدة لكنني لم أستطع، فأرجوكم المعذرة، ثم البكاء.

* * *

ملاحظة: تمثال (نهضة مصر) نحته الفنان (محمود مختار) سنة 1928، وما زال قائما إلى الآن أمام حديقة الحيوان في القاهرة.

[email protected]