شكرا

TT

كان مصطفى أمين كاتبا كبيرا وصحافيا عظيما وإنسانا طيبا وذا خير وكبر. وكانت أجمل زواياه في هذا المكان «ليلة القدر»، وفيها ينشر أسماء المتبرعين وأرقام التبرعات للمؤسسة التي أنشأها تحت هذا الاسم. وخطر لي كثيرا أن أقلده فقط في هذا، ما دام تقليده صعبا في كل شيء آخر. وكان توأمه علي أمين يأتي إلى مكاتبنا في «النهار»، وأنا يومها لا أحلم بمقابلته، ويطلب مني مساعدته في نصرة لبناني مظلوم. وكان صديقهما سعيد فريحة لا ينام إذا لم يستطع تلبية محتاج. جبران تويني الذي اغتيل بشحنة ناسفة لم تبق حتى أصابعه للتعرف عليها، أو كما قال والده غسان تويني: «عادة يترك القتلة جبين ضحيتهم لكي نطبع عليه قبلة الوداع. لم يتركوا لنا سوى النعش». جبران كان كل صباح يصغي، في الطريق الطويل من منزله في بيت مري إلى مكتبه، إلى برنامج الزميلة وردة الزامل في «صوت لبنان». وكانت تنهي برنامجها بلائحة المحتاجين إلى أدوية ومعونات وعلاج. وعندما يصل جبران إلى مكتبه، كل يوم، يتصل بوردة طالبا منها أسماء وعناوين المحتاجين. إلا ذلك اليوم، يوم لم يتركوه يصل إلى مكتبه. كنت أعرف أن جبران ليس قادرا على ربع ما يفعل. وكنت أعرف أنه مهما عاش فسوف يموت مدينا، من دون أن يعرف لماذا، أو أن يهتم بذلك. وكان جبران يسكن، حتى بعد زواجه، في شقة صغيرة ملحقة بمنزل والده. وأما في باريس فكان يسكن في غرفة (استديو) إلى جانب منزل والده، الذي لم يكن أكبر كثيرا، في أي حال. لم أحاول تقليد مصطفى أمين لأسباب كثيرة، أولها أنني لست مصطفى أمين. وبينها الخوف من أن يخطر لأحد أنه يمكن أن أخلط ذات يوم بين حق محتاج وبين ضعف شخصي. لذلك صرفت النظر وفاتحت بعض الأصدقاء الكبار بتأسيس شيء مماثل ومحدود. وعندما طلب مني أحدهم «التفاصيل»، ألغيت الفكرة كليا، وقررت أن «قدري» هو أن أفعل ما أستطيع منفردا. بتاريخ 30 يوليو (تموز) 2011 كتبت تحت عنوان «أبو خليل» أتمنى على أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد النظر في وضع زميل سابق ورجل طيب هو المصور إبراهيم عبود. بعد قليل كان الديوان الأميري يرسل إلى دكان إبراهيم من يتفقد وضعه ويرى إلى رفع ضيم الحاجة عنه.

أنا ممتن على مدى الأعوام السبعة والأربعين التي عرفت خلالها الأمير أبا ناصر. وممتن للذين أعرفهم والذين لا أعرفهم، ممن اتصلوا يريدون معرفة عنوان إبراهيم، الذي لم أكن أنا أيضا أعرفه. ويشكرهم إبراهيم عبود، ويعتذر لهم. فالالتفاتة الوحيدة التي يمكن أن يقبلها هي التفاتة الأمير. لا شيء يغير إبراهيم. لا عمر ولا شيخوخة. وأنا أشكره أيضا. لقد مكنني من تقليد مصطفى أمين ولو في سطر بدل زاوية.