هل يرفض السوريون الحوار؟

TT

يركز البعض على فكرة، أن السوريين يرفضون الحوار سبيلا في معالجة الأزمة السورية الراهنة، والتي تكاد تغلق شهرها الخامس. ويشير هؤلاء إلى رفض السوريين للحوار، باعتباره يتصل بأمرين أولهما إعلان المتظاهرين رفضهم الحوار، حيث أطلقوا على واحد من أيام الجمع عنوان «جمعة لا للحوار»، والثاني أن المعارضين من الشخصيات الوطنية وأحزاب المعارضة، رفضوا المشاركة في اللقاء التشاوري للحوار الوطني الذي عقد في دمشق برئاسة نائب الرئيس فاروق الشرع رئيس هيئة الحوار الوطني، والتي يفترض قيامها بالتمهيد لعقد مؤتمر للحوار الوطني في وقت لاحق.

وبغض النظر عن الخلفية السياسية الكامنة وراء ترويج البعض لرفض السوريين فكرة الحوار في معالجة مشكلتهم، فإن مثل ذلك القول ليس صحيحا لا في الفكرة والمبدأ ولا في الوقائع. فمن حيث المبدأ، فإن كثيرا من النشطاء السوريين ومن قادة الأحزاب، أكدوا مرات كثيرة على أن فكرة الحوار هي فكرة أساسية في معالجة المشكلات التي تواجه سوريا، وهم أضافوا إلى ذلك قول، إن ضرورة الحوار في التصدي للمشكلات، تتجاوز الواقع الراهن ومشكلاته إلى اعتبارها طريقا ومنهجا في معالجة مشكلات المستقبل جميعها، وإنهم أصروا على رفض العنف والقوة كأسلوب في معالجة المشكلات السورية في المستقبل، كما يرفضون استخدامهما في الوقت الراهن، ويضيف النشطاء وقادة الجماعات السياسية في تأكيد تبنيهم الحوار نهجا القول إن جماعات المعارضة السورية، التي أعلنت تشكيل تحالفها الواسع تحت اسم إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي عام 2005، ركزت على تأكيد أن الحوار يمثل أحد سبل التغيير الديمقراطي في سوريا.

وباستثناء مواقف الشخصيات وقادة الأحزاب المعارضة في تأييدها فكرة الحوار، فقد تضمنت وثيقة أصدرتها لجان التنسيق المحلية، وهي إحدى الجهات الرئيسية المنخرطة في الحراك الشعبي، أن رؤية لجان التنسيق المحلية لمستقبل سوريا السياسي، تقوم على فكرة حوارية أساسها عقد مؤتمر وطني، يشارك فيه كل السوريين بهدف رسم ملامح نظام جديد أساسه الديمقراطية، انطلاقا من أن سوريا جمهورية مدنية، تقوم على أن السوريين شعب واحد، أفراده متساوون في الحقوق والواجبات، لا تمييز بينهم بسبب الدين أو المذهب أو العرق.

إن السوريين بمن فيهم معارضون ومشاركون في حركات الاحتجاج ومتظاهرون، لا يعارضون الحوار، وهم عندما طرحت عليهم فكرة الحوار من بعض شخصيات السلطة في وقت مبكر من اندلاع الأزمة، سعوا من أجل أن يكون الحوار مفيدا وناجحا وله جدوى، وهم في هذا أكدوا أن الأزمة بطبيعتها سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، الأمر الذي يتطلب أن تكون معالجتها سياسية، ويمثل الحوار إحدى مراحل الحل السياسي، وأضافوا إلى ما سبق أن عملوا وطالبوا السلطات بتوفير بيئة للحوار من أجل نجاحه ووصوله إلى غاياته لتجاوز الأزمة السورية، وأكدوا على توفير بيئة للحوار تتضمن، وقف الحل والمعالجات الأمنية، والإقرار بأنه ينبغي التوجه إلى حل سياسي، إضافة إلى إطلاق السجناء والمعتقلين السياسيين جميعا بمن فيهم معتقلو الأحداث، ثم السماح بالتظاهر السلمي وسط حماية جهاز الشرطة للمتظاهرين الذين بعملهم إنما يعبرون عن رأيهم وموقفهم بصورة سلمية.

لقد قوبلت طروحات السوريين من خارج النظام فيما يخص الحوار - ولا سيما دعوات توفير بيئة الحوار - برفض حاسم من جانب السلطات السورية، وتم تأكيد الأمر في جانبه العملي في خطوتين، الأولى يمثلها رفض وقف المعالجات الأمنية والثانية رفض إطلاق السجناء والمعتقلين السياسيين، فيما تجسد الرفض من الناحية السياسية في عقد اللقاء التشاوري من أطراف ومؤيدي النظام الحاكم والذين اضطروا إلى إصدار توصيات ذات طابع إصلاحي، وقد جرى تجاهل هذه التوصيات من قبل النظام، الأمر الذي يشير إلى عدم جدية النظام في توجهه إلى اعتماد الحوار طريقا وفي الأبعد منه باتجاه السير إلى الحل السياسي لمعالجة الأزمة.

إن خيار الحوار في سوريا يتطلب إيمانا بالفكرة، وهو أمر لم يتم اعتماده رسميا في الحياة السورية طوال العقود الخمسة الأخيرة، بل ما تم تكريسه عمليا هو فرض المواقف والسياسات في جوانب الحياة الوطنية من السياسة إلى الاقتصاد وصولا إلى المجتمع والثقافة وعلى مختلف المستويات من الأعلى إلى الأدنى، وأطلقت المعارضة في مواجهة تلك السياسة فكرة الحوار على مدار سنوات العقد الماضي، وحاولت تكريسها في المستويات كافة كما في العلاقات الداخلية والوطنية، قبل أن تتوجه السلطة إلى مقاربة الفكرة في أشهر الأزمة الأخيرة، وهي مقاربة كادت تقتصر على الناحية الإعلامية من جهة وبهدف التسويق الخارجي من جهة ثانية، وفي الحالتين لم تقم السلطة بتوفير إرادة سياسية للسير بالحوار نحو أهدافه الأخيرة، وهذا هو الأهم في موضوع الحوار!

* معارض سوري